كيف بنى تحتمس الثالث الإمبراطورية المصرية بالذهب والسيف؟
👑 تحتمس الثالث: "نابليون" مصر الذي بنى الإمبراطورية بثروة وغزوات
هل تساءلت يوماً كيف يمكن للقوة العسكرية أن تتحول إلى قوة اقتصادية وسياسية دائمة؟ الإجابة تكمن في قصة الفرعون تحتمس الثالث، سادس ملوك الأسرة الثامنة عشرة، والذي يلقبه المؤرخون بـ "نابليون مصر" ليس فقط لكونه أعظم قائد عسكري في تاريخها، بل لأنه حول تلك الانتصارات إلى ثروة طائلة ونفوذ إمبراطوري لم يسبق له مثيل.
⚔️ العبقرية العسكرية: تأسيس الإمبراطورية
اعتلى تحتمس الثالث العرش شاباً بعد فترة وصاية قوية من الملكة حتشبسوت. وبمجرد توليه السلطة منفرداً، بدأ في تنفيذ رؤيته لتأمين حدود مصر وتوسيع نفوذها، مدركاً أن الأمن الاقتصادي يبدأ بالسيطرة الجغرافية.
كانت أولى حملاته العسكرية وأشهرها هي معركة مجدو (حوالي 1457 ق.م). واجه تحتمس تحالفاً قوياً من أمراء الشام تحت قيادة أمير قادش. وهنا، أظهر تحتمس عبقريته التكتيكية بقراره الجريء بالسير في ممر ضيق وخطير ليفاجئ العدو بدلاً من الطريق السهل والتقليدي. لقد كانت المقامرة محسوبة بدقة وأدت إلى نصر حاسم.
شنت مصر تحت قيادته ما لا يقل عن 17 حملة عسكرية في آسيا، وثبتت نفوذها في النوبة جنوباً. لم تكن هذه الحملات مجرد غزوات؛ بل كانت استراتيجية لإقامة إمبراطورية مترامية الأطراف تمتد من الفرات شمالاً إلى الشلال الرابع جنوباً.
💰 الثروة والنفوذ: أساس الازدهار
إن ما يميز تحتمس الثالث عن أي قائد آخر هو إدارته الفعالة لنتائج هذه الانتصارات. فالإمبراطورية التي بناها لم تكن قائمة على القوة فقط، بل على نظام متين من جمع الجزية السنوية والضرائب والموارد.
* الجزية والموارد: كانت المناطق الخاضعة للنفوذ المصري ملزمة بتقديم ثرواتها بانتظام، والتي شملت الذهب والفضة والأخشاب النادرة والزيوت والبخور والماشية والعبيد. وقد سجلت "حوليات تحتمس الثالث" على جدران معبد الكرنك تفاصيل دقيقة لكميات الهائلة من الغنائم والموارد التي دخلت خزائن الدولة.
* الذهب النوبي: ضمنت السيطرة الكاملة على النوبة تدفقاً مستمراً للذهب، وهو العملة القوية لتلك الحقبة، مما عزز من قوة مصر الاقتصادية ومكنها من تمويل مشاريعها الضخمة.
* التجارة الآمنة: أدت السيطرة على طرق التجارة الرئيسية في الشرق الأدنى إلى ازدهار التجارة المصرية، مما وفر الحماية للمصالح التجارية وزاد من دخل الدولة.
🏛️ البناء والخلود: استثمار الفائض
استخدم تحتمس الثالث الثروة الهائلة التي جناها في تمويل برنامج ضخم من البناء والتشييد لم يضاهيه إلا القليل من الفراعنة. كان الهدف هو تعزيز الشرعية الدينية والسياسية للدولة.
شهد عهده ازدهاراً معمارياً في معابد الكرنك والأقصر، حيث أضاف إليهما التماثيل والمسلات الهائلة التي تعتبر اليوم تحفاً فنية منتشرة حول العالم (مثل مسلاته في نيويورك واسطنبول ولندن وروما). لقد كان هذا الاستثمار في البنية التحتية الدينية بمثابة إعلان عن عظمة مصر وقوتها وثروتها التي لا تنضب.
لقد ترك تحتمس الثالث لمصر إرثاً لا يمحى. لم يكن مجرد مُحارب؛ بل كان إدارياً ماهراً، وبانياً عظيماً، وعقلية اقتصادية فهمت أن السيطرة الجغرافية تؤدي إلى الازدهار الاقتصادي. حكم لمدة 54 عاماً، وخلالها حول مصر من مملكة إقليمية إلى إمبراطورية عظمى، مؤسساً بذلك ذروة عصر القوة والنفوذ والثراء في الدولة الحديثة.