الببغاء "فصيح" "فصيح" لا يقلد فقط، ولكنه يفكر أيضا ؟.

الببغاء "فصيح" "فصيح" لا يقلد فقط، ولكنه يفكر أيضا ؟.

0 المراجعات

 كان ياما كان، في سالف العصر والأوان. كان يعيش ببغاء يُدعى "فصيح"، وإذا كان القرد يقلد الحركات؛ فإن الببغاء يقلد الأصوات !. ويقول صاحبه الصغير "إمام": إنه يقلد صوت الإوزة : 

ـ كاكاكاكاكا !. كاكاكاكاكا !.

 ويصيح كما يصيح الديك:

ـ كوكوكوووو !. كوكوكوووو !.  كوكوكوووو !. 

 ويقلد صوت "موتور" السيارة :

ـ فون فون.. فون فون فون !.

 وصوت منشار النجار:

ـ فوت فوت. فوت فوت. فوت فوت.. 

 وأصوات الطيور والحيوانات. وكل الأصوات. 

  ويغالب الضحك "إمام" وأخته الصغيرة "أميمة"، إذ كانا يُنصتان إليه من البداية.. وأيضا؛ يقلد "فصيح" ضحكهما، ويشاركانه الضحك !. 

ـ هاهاهاها !.. هاهاهاها !.. هاهاهاها !..

  وما يلبث أن يحلق فوقهما، ويحوم حولهما.. لقد اعتادا على مداعبته، خاصة في وقت الفراغ.. وذات يوم؛ استعد أصحاب الدار جميعا لزيارة أحد الأقارب. ولم يصطحبه صديقه هذه المرة، وقبل أن يغادرا، تُقدم له "أميمة" الحَب: 

ـ تفضل الحَب يا "فصيح".. 

ـ شكرا "أميمة".. شكرا "أميمة". هاهاها. هاهاها !. 

 ويقدم "إمام" الماء:

ـ تفضل الماء ياصديقي. 

ـ شكرا "إمام".. شكرا "إمام".. هاهاها.. هاهاها.. الحَب والماء.. الحَب والماء.. 

ثم يقول له "إمام":

ـ لن نتأخر كثيرا ياصديقي. مع السلامة. 

ـ مع السلامة. مع السلامة. 

  كان الفأر "فوفو" واقفا أمام جُحره بحديقة "الفيلا"، وما أن يرى "إمام"وأخته وأبويه يغادروا المنزل، ليختبئ خلف جذع شجرة؛ قائلا في نفسه:  

ـ فرصة ذهبية !. لقد غادروا جميعا إلا "فصيح".. يمكنني أن أتسلل إلى داخل المنزل دون أن يراني، أو يشعر بي. وحتى لو رآني، فإنه مجرد ببغاء لا يستطيع أن يفعل شيئا. المهم أنه ليس هرّا، ولا هُريرة. ههههها !. هههههها !. 

 وألقى "فوفو" نظرة نحو النافذة:  

ـ يا للحظ !. لقد نسوا غلق النافذة. هههههها !. هههههها !. انطلق يا "فوفو". هجوووووم !.

   لم يسبق لـ "فصيح" أن مكث وحده بالمنزل، فسرعان ما أحسّ بالملل، وأخذ يعبّر عن مشاعره: 

ـ ما أصعب الشعور بالوحدة !. ماذا أفعل لكي أسلي نفسي ؟. فكر وأرني فصاحتك يا "صفيح". أقصد "فصيح" !. هاهاهاه !. 

يفكر "فصيح" قليلا، وما يلبث أن يهتف في فرحة:

ـ هذه هي. يا لها من فكرة !. إنني عبقريّ !. هاهاهاه !. هاهاهاه !. 

 لم يكن قفص "فصيح" مغلقا، فعندما اشتراه "إمام" من مصروفه الخاص، وجاء به إلى المنزل طلبت منه الصغيرة "أميمة"، أن يُغلق باب القفص؛ حتى لا يهرب، ولكن "إمام" قال لها:

ـ كلا يا "أميمة"، يجب أن يكون حُرّا، فيطير في المنزل كما يشاء. ولن يهرب طالما نقدم له الغذاء والماء. 

ـ والقفص يا "إمام" ؟!.

ـ القفص للطعام والمبيت. 

 وبالفعل خرج "فصيح" من باب القفص المفتوح، وطار هنا وهناك؛ معبّرا عن فرحنه، ثم عاد إليه.. وعندئذ اقتنعت "أميمة" برأي أخيها:

ـ عندك حق يا "إمام". 

   وجعل "فصيح" يطير ويحلق ويحوم حول الثريا في البهو الكبير، وما أن سئم لعبة الطيران، ليسعفه تفكيره، بممارسة لعبته المفضلة، بترديد أصوات أهل الدار التي حفظها، فتارة يقلد الأب: 

ـ ذاكر دروسك يا "إمام". 

وتارة يقلد الأم:

ـ إغسلى أسنانك يا "أميمة" فى الصباح، وقبل النوم..

وثالثة يقلد "إمام": 

ـ لن نتأخر كثيرا يا صديقى. 

وتنطلق ضحكات "فصيح ": 

ـ هاهاهاه !. هاهاهاه !. فكرة رائعة !. 

  كان "فصيح" مشغولا بتقليد الأصوات؛ بينما تسلل الفأر "فوفو" من النافذة المفتوحة.. يقف بالنافذة؛ بينما كان يرقب "فصيح" الذي يواصل التقليد والضحك: 

ـ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. هاهاهاهاه !. هاهاهاهاه !.

ويُغبط "فوفو" نفسه؛ قائلا: 

ـ "فصيح" مشغول بالتقليد والضحك.. فلأغتنم الفرصة، وأتسلل إلى المطبخ.. 

  ونزل الفأر "فوفو" زاحفا على الحائط. وأصبح فى البهو، وعندئذ لمحه "فصيح"، ليهمس فى استغراب:

ـ فأر !. إنه مخلوق عابث ومخرب !. ماذا أفعل ؟!. ماذا ؟. ماذا ؟. آه.. هذه !. كأني ما رأيته. يعنى: "لا مين شاف ولا مين درى".   

 ويواصل "فصيح" تقليد الأم والضحك: 

ـ إمام، يجب أن تغسل يديك قبل الأكل وبعده. 

ـ إشربِ اللبن يا "أميمة". 

هاهاهاهاه !. هاهاهاهاه !. 

تسلل "فوفو" إلى المطبخ.. بينما تستمر ضحكات "فصيح":

ـ هاهاهاهاه !. هاهاهاهاه !.

ويتسلق "فوفو" المنضدة، بينما يُطمئن نفسه: 

ـ لم يَرَنِ "فصيح". ما أسعد حظى !. المطبخ ممتلئ بما لذ وطاب من الأطعمة والمأكولات. فلأنجز المهمة.                                                                       

 توقف "فصيح" عن تقليد الأصوات والضحك، وتنهد: 

ـ لعبة مسلية لولا هذا الفأر هادم اللذات. بالطبع لم يدخل المطبخ ليغسل الصحون !.  

وأنصت "فصيح" بكل سمعه.. علته الدهشة: 

ـ ماذا ؟!. أسمع قرْضا !. ماذا يقرض الفأر ؟. سيخرّب المطبخ. يجب أن أتصرف. فكر بسرعة يا "فصحصح". 

 ويفكر "فصيح "، ويبدو أن طرأت له فكرة: 

ـ رائع يا "فصيح"، بل أكثر من رائع !. إن الفأر يخاف من القط؛ فلأستخدم ميْزتي و.. وما أسهل مواء القط !. 

ويموء "فصيح": 

ـ مياو.. ميااوو.. مياااووو.. ميااااوووو !..

يسمع "فوفو" المواء، فينتفض:

ـ ماذا ؟!. يا لحظك النحس يا "فوفو" !. من أين أتى هذا الوحش ؟!. 

  ويواصل "فصيح" المواء: 

ـ ميااااووووو.. مياااااوووووو !.

اشتد فزع "فوفو": 

ـ يا للهول !. أكاد أموت رعبا. لو انتظرت لحظة. سيهجم علىّ و.. وأصبح في خبر كان. فلأعُد مسرعا من حيث أتيت. 

 وما يلبث أن يُولّي الفأر هربا. يراه "فصيح"، فما يلبث أن يحلق فرحا بين ضحكاته: 

ـ هاهاهاهاه !. نجحت !. نجحت !. هاهاهاهاه !. هاهاهاهاه !. 

  لم يكن "فصيح" مجرد مقلدا، ولكنه أثبت أنه عبقرى، وأنه حارس أمين. سُئل إمام ذات مرة: 

ـ لماذا سمّيت ببغاءك "فصيح" ؟، فقال:

ـ لأنه "غلباوي"، ورغاي، وكثير الكلام !.

ويعلق "فصيح": 

ـ "أنا أفكر إذًا أنا موجود".. من صاحب  هذه المقولة ؟

ثم يعلو صوته:

ـ مع السلامة. مع السلامة !. 

                                                                                                                                                 تمت 

                                                                                                                                                                                                                                                                                          حمدي عمارة

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

18

متابعين

181

متابعهم

1

مقالات مشابة