نوسة الأنوسة وصديقتها نانا العسل
"نوسة" الصغيرة تحب الورد الأبيض والأحمر، وتحب الزهور: الفل والياسمين والنرجس والبنفسج والقرنفل.. وتحرص على زيارة حديقة "الفيلا"، فتقضي بعض الوقت بين الورد والزهور تتأمل ألوانها الجميلة، وأشكالها المتعددة. وتنتعش بالنسيم الذى يحمل روائحها الزكية، ثم تذهب إلى العم "نور" البستانيّ، في وقت راحته تحت الكرمة، وتسأله عن أسماء الزهور الجديدة التي يغرسها، وما تلبث أن ترسمها في كراسة الرسم، التي كتبت على غلافها بخط جميل: "زهور نوسة". وقد رسمت في كل صفحة زهرة تحمل اسمها. وترسم في قلب الزهرة وجها مبتسما؛ كما كانت تراها !. زهور "نوسة" جميعا مبتسمة وسعيدة. وكانت تشعر بالغبطة؛ لأنها تعرف أسماء الزهور.
اليوم إجازة: قررت "نوسة" أن تقضي اليوم بين أحواض الورد والزهور. كانت سعيدة ومبتهجة، وهي تجول بين الزهور. وفجأة علاها الضيق، إذ لمحت نحلة تقف فوق الفلة. خطت إليها هاتفة:
ـ لم تقفين فوق الفلة أيتها النحلة ؟. إلعبى بعيدا.
وقالت النحلة في استغراب: لستُ ألعب، ولكني أمتص الرحيق، وهذا عملي.
ـ كيف ؟!. يبدو أنك نحلة شقية.
ـ لا يا "نوسة". يبدو أنك لا تعرفين من أنا ؟.
ـ وتعرفين اسمي ؟!. من تكونين. نحلة.
ـ ولستُ أي نحلة. أنا نحلة العسل.
ـ نحلة العسل !.
ـ أجل، وإنني أمتص رحيق الأزهار، ثم أخزنه في كيس في بطني.
وبعد أيام ؛ أفرز العسل الأبيض في الخلية.
ـ وما الخلية ؟!.
ـ بيتي. أرأيت. أنا نحلة نافعة. أقدّم العسل غذاء مفيدا للإنسان. كما أن العسل يشفي كتيرا من الأمراض.
ـ أشكرك يا نحلة العسل على خدماتك الجليلة.
ـ إننا والإنسان أصدقاء منذ زمن بعيد، فنقدّم له العسل الشهيّ، بشرط ألا يضرّنا أو يؤذينا. وأن يملا الأرض بالزرع، ويملا الحدائق بالورد والزهور. أستأذنك.
ـ إلى أين يا نحلة ؟!.
ـ إلى الخلية. كي أفرز العسل.
ـ وأين تلك الخلية ؟!.
ـ فى الغابة البعيدة.
ـ تتعبين بالتأكيد.
ـ الحياة عمل وكفاح يا "نوسة".
وتنطلق النحلة في رحلة عودتها. تشرد "نوسة" قليلا. تعلوها ابتسامة، وسرعان ما تغادر الحديقة. وتلتقي بوالدها، وتخبره عن لقائها مع النحلة، والحوار الذي دار بينهما، وما تعانيه من المشقة، قائلة في إشفاق وتأثر:
ـ الغابة بعيدة. والنحلة تتعب كل يوم فى السفر و..
ـ با ختصار. مطلوب خلية من الخشب لصديقتك نحلة العسل.
ـ ما رأيك يا أبي ؟.
ـ رأيي أن الفنانة الرقيقة "نوسة الأنوسة" ذكية، وأفكارها عبقرية وبعد الغد بإذن الله؛ سيُصبح عندنا خلية.
ـ متى يأتي الصبح لأبلغ صديقتي النحلة بالأخبار السعيدة ؟!.
وفي الصباح تنطلق "نوسة" إلى الحديقة، تنتظر نحلة العسل بينما تحدث نفسها في لهفة وقلق:
ـ لقد تأخرت النحلة. تُرى ماذا حصل ؟!.
يأتي إلى سمعها طنين النحل. تتطلع إلى الأفق. تبدو النحلة وأخواتها. تنفرج أساريرها؛ حين تحط كل منها على وردة أو زهرة. وكانت نحلة الأمس فوق الفلة هاتفة:
ـ صباح الخير يا "نوسة".
ـ صباح الخير يا " نانا ".
ـ "ضاحكة". "نانا" !.
ـ ما رأيك ؟.
ـ اسم لطيف. على فكرة. لقد جئت وبصحبتي أخواتي الشغّالة.
ـ الشغالة !.
ـ أنت صديقتي وسأشرح لك: سكان الخلية ثلاثة أنواع من النحل. ملكة واحدة للخلية.
ـ طبيعي.
ـ وعدد من الذكور. وعدد كبير جدا من الشغالة. كل له عمل حتى الملكة التي تضع البيض. عمل الشغالة. تنظيف الخلية وحراستها وفرز العسل وأعمال أخرى.
ـ كل هذا ؟!. عموما مرحبا بك، وبكل أخواتك الشغالة.
ـ أ لست متضايقة ؟.
ـ بالعكس؛ فإني فى غاية الفرحة، ولذا سألقي عليك خبرا سعيدا.
ـ أي خبر يا "نوسة" ؟!.
وحكت "نوسة" لصديقتها نحلة العسل، ما دار بينها ووالدها، ثم قالت:
ـ من الغد بإذن الله. نتشرف بك والملكة والذكور وكل اخواتك الشغالة.
ـ أكاد ألا اصدق. كأني أحلم !. أجمل خبر !. وسيفرح النحل جميعا؛ خاصة الملكة التي حكيتُ لها عنك، وأحبتك كثيرا.
لكم فرحت "نوسة" وراحت تعبّر عن سعادتها برقصة خفيفة، وأغنية رقيقة:
ـ لا لاّ. لا لاّ. لا لاّ لاّ لا لاّ..
والفراشات ترقص من حولها وكأنها ملكة الفراشات، وتردد الكلمات "كورس".. وتغنى "نوسة" للورد الأبيض والأحمر. وزهور الفل والياسمين والقرنفل والنرجس والبنفسج. كما تغني للنحل والفراشات الجميلة. وتعبّر أيضا عن حبها للطبيعة والجمال. والحياة. ثم تهتف "نانا":
ـ غدا لقاؤنا صديقتي "نوسة".
وتنطلق "نانا" ومن خلفها الشغالة إلى الخلية في الغابة. وقابلت الملكة. وبلغتها الخبر السعيد. فرحت الملكة، وجمعت مجلس الشورى، وعرضت عليهم طلب "نوسة". وافق المجلس، وهتف النحل بحياة الملكة، وقضوْا ليلة سعيدة. وفي الوقت نفسه؛ استسلمت "نوسة" للنوم، وحلمت أحلاما سعيدة.
وتنطلق "نوسة" في الصباح الباكر، إلى الحديقة والخلية الجديدة بين أحواض الورد والزهور. وبعد وقت قصير. رأت ملكة النحل ومن خلفها سرب النحل الذكور والشغالة. منظر رائع !. وحطوْا في الحديقة على الورد والزهور. واستقبلتهم "نوسة" بالفرحة والترحيب. شكرتها الملكة وعبّرت عن سعادتها، ثم استأذنتها ، ودخلت مملكتها الجديدة في الخلية الخشبية. ودخل وراءها الذكور والشغالة. وكان يوما من أسعد الأيام فى حياة "نوسة".
وفي كراسة الزهور.. رسمت النحلة "نانا"؛ على كل وردة، وكل زهرة !.
ـ ما الصفة التي يشتهر بها مجتمع النحل ؟
تمت
حمدى عمارة