لورانس العرب: (قصة الجاسوس الناعم )
"توماس إدوارد لورانس"
هو ضابط بريطاني نال شهرة كبيرة و خلد إسمه في التاريخ العربي بسبب مساعدته للقوات العربية خلال الثورة العربية الكبرى عام 1916 ضد الإمبراطورية العثمانية لأنه أدرك أنها الخطوة الأولى التي ستمكن بلاده من إحكام قبضتها على الدول العربية و قيام دولة لليهود بفلسطين ، و قد صُور عن حياته فيلم شهير حمل اسم "لورانس العرب" أنتج عام 1962م من بطولة النجم العالمي عمر الشريف و الممثل الإيرلندي بيتر أوتول.
بدا لورانس مولعًا بحضارة الشرق منذ البداية حتى أنه اقترح على استاذه العالم الأثري المعروف "هو غارت" أن يقوم بزيارة لمنطقة الشرق لأنها مشهورة بحضاراتها و حفرياتها ، و قام لورانس بالاعداد لرحلته بتعلم بعض قواعد اللغة العربية التي تساعده على التواصل مع الآخرين ، و تقدم لمدير الكلية الياسوعية بجامعة أكسفورد بطلب للاتصال بالسلطات التركية بهدف تزويده بكتاب تاريخي و أثري يسهل مهمته.
و عند اندلاع الحرب العالمية الأولى راحت كل من الدول الكبرى: فرنسا و بريطانيا و روسيا و ألمانيا تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة و التي منها : توسيع رقعة نفوذها و السيطرة على الأماكن الإستراتيجية و على منابع النفط ، لذلك أخذت بريطانيا ترسل عملاءها إلى المنطقة ، فاستدعت القيادة الإنكليزية أصحاب الخبرة في البلاد العربية و منهم "لورنس" الذي التحق بسلك المخابرات العسكرية ، و عندما دخلت تركيا الحرب ضد الإنجليز في أواخر عام ١٩١٣ عُيّن لورانس في القاهرة مشرفاً على شبكة للتجسس كان هو يختار أعضاءها بنفسه ، و لكي يقوم بوظيفته تلك على أكمل وجه تمّ إعداده ، فنُظِّمت مطالعاته لاسيما فيما يتعلّق بالتاريخ الحربي حتى يقال إنّه قرأ كل ما له علاقة بالفروسية و بحروب القرون الوسطى ، و قرأ حوالي ٢٥ مجلّداً خاصاً بنابليون بونابرت.
دخل لورانس العرب الجزيرة العربية و بالطبع كان الهدف الأساسي أمامه طرد الأتراك من الجزيرة العربية و هيمنة القوات البريطانية و التمهيد لمشروع الدولة اليهودية الذي صاغه ثيودور هرتزل و وعد به آرثر جيمس بلفور وزير خارجية إنجلترا في سنة ١٩١٧ فيما يعرف بوعد بلفور.
و بمبادرة من الشريف حسين أمير مكة و بالتحالف مع الأمير فيصل و نوري السعيد بدأت الشرارة الأولى للثورة العربية الكبرى في الحجاز و التي كان من الأحرى تسميتها بالخديعة الكبرى ، و هي ثورة مسلحة قامت ضد الخلافة العثمانية ، و ذلك قبل فجر يوم التاسع من شعبان ١٣٣٤هـ - الثاني من يونيو ١٩١٦، و امتدت الثورة ضد العثمانيين بعد إخراجهم من الحجاز حتى وصلت سوريا العثمانية ، و تم إسقاط الخلافة فيها ، و في العراق ..
إتفق لورانس مع الأمير فيصل على تنفيذ خطة معده مسبقاً ، تقوم الخطة على تنفيذ هجوم من بلدة أريحا في الخامس من مايو ١٩١٨ و احتلال مدينة السلط و بلدة معان و تدمير خط السكك الحديدة جنوب عمان ، و قد أعد لورانس مع "نوري السعيد" القوات المتأهبة للحرب.
و قد شهدت هذه الحرب الكثير من المذابح التي يندى لها الجبين و التي راح ضحيتها الكثير من الأطفال و النساء دون أدنى احترام للعهود و المواثيق.
و هكذا نجح لورانس في مهمته التي جاء من أجلها و هي تحريض القبائل العربية و زعمائها ضد الدولة العثمانية و دفعها إلى التمرد عليها ، و بالفعل نجحت الثورة و انتهت بعد تنصيب فيصل ملكا على العراق و الأمير عبد الله ملكا على الأردن.
عاد لورانس إلى إنجلترا بعد أن أدى مهمته و التحق بعد ذلك تحت اسم مستعار بسلاح الجو الملكي، و الواقع أنه عانى كثيرا من الضغط العصبي جراء الحياة الصعبة التي عاشها و خصوصاً بعد أن أصبح مطلوباً من العرب المعارضين لثورة الشريف حسين و انكشاف أنه عميل للمخابرات البريطانية و جاسوس ..
صدر له عام ١٩٢٢ كتاب "أعمدة الحكمة السبعة" ( بالإنجليزية : Seven Pillars of Wisdom ) ، وضع فيه لورنس خلاصة تجربته السياسة في إدارة أنظمة دول الشرق الأوسط بعد قيام الثورة العربية و سقوط الدولة العثمانية ، و يدور في مجمله حول تاريخ الجزيرة العربية ..
و في عام ١٩٣٤ تم إعفائه من سلاح الجو الملكي مما أدى إلى إصابته بانهيار عصبي و قضي لورانس بقية حياته في كوخ في شمال "بوفينجتون" ، و في عام ١٩٣٥ توفي عن ستة و أربعين عاماً بعد سقوطه من دراجته النارية التي كان يقودها بسرعة كبيرة في محيط مدينة اكسفورد و هو عائد إلى منزله بحادث قيل وقتها أنه مدبراً.
دفن في مقبرة موريتون بعد تشييعه في جنازة مهيبة حضرها شخصيات سياسية و عسكرية مهمة و رموز للمجتمع البريطاني الأرستقراطي مثل ونستون شرشل، لورد لويد، ليدي آستور، الجنرال وفل، أغسطس جون و غيرهم.
و قد تم تشييد تمثال نصفي له أمام كاتدرائية القديس بول في لندن.
و لقد أعلنت وزارة السياحة السعودية أن المنزل الذي أقام فيه لورنس العرب عشية حملته الشهيرة ضد الأتراك سيرمم و بغية تحويلة الى معلم سياحي، بحسب صحيفة الديلي تليغراف البريطانية.
كانت هذه نبذة بسيطة جدا عن حياة رجل من كبار الشخصيات عبر التاريخ.