قصه سيدنا يونس

قصه سيدنا يونس

0 المراجعات

ما حصل لسيدنا يونس عليه الصلاة والسلام في بطن الحوت

لما وعد يونس بن متى قومه بالعذاب بعد ثلاثة أيام إن لم يؤمنوا وخرج من بينهم مغاضبًا لهم بسبب كفرهم وإصرارهم وتماديهم في غيّهم وضلالهم، سار حتى وصل إلى شاطئ البحر فوجد قومًا في سفينة في البحر، فطلب من أهلها أن يركبوه معهم فتوسموا فيه خيرًا فأركبوه معهم في السفينة، وسارت بهم السفينة تشقُ عُباب البحر، فلمّا توسطوا البحر جاءت الرياح الشديدة وهاج البحر بهم واضطرب بشدة حتى وجلت القلوب، فقال من في السفينة: إنّ فينا صاحب ذنب، فأسهموا واقترعوا فيما بينهم على أنّ من يقع عليه السهم يلقونه في البحر، فلمّا اقترعوا وقع السهم على نبيّ الله يونس عليه الصلاة والسلام، ولكن لما توسموا فيه خيرًا لم يسمحوا لأنفسهم أن يلقوه في البحر، فأعادوا القرعة ثانيةً فوقعت عليه أيضًا، فشمّر يونس عليه السلام ليلقي بنفسه في البحر فأبوا عليه ذلك لما عرفوا منه خيرًا، ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت القرعة عليه أيضًا، فما كان من يونس عليه السلام إلا أن ألقى بنفسه في البحر لأنه كان يعتقد أنه لا يصيبه هلاك بالغرق، فلا يجوز أن يظن أن ذلك انتحار منه لأن الانتحار أكبر الجرائم بعد الكفر، وذلك مستحيل على الأنبياء وعلى هذا يحمل ما ورد في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فتر الوحي عنه في أوائل البعثة همَّ أن يلقي بنفسه من ذِروة الجبل ولم يكن همه بذلك إلا لتخفيف شدة الوجدِ الذي حصل له من إبطاء الوحي عليه لا للانتحار فإنه حصل لكثير من الأولياء أنهم مشوا على الماء ولم يغرقوا، فمن حمل ما ورد في البخاري من هذه القصة أن الرسول أراد أن ينتحر فقد كفر.

وعندما ألقى يونس عليه السلام بنفسه في البحر وكّل الله تبارك وتعالى به حوتًا كبيرًا فالتقمه وابتلعه ابتلاء له على تركه قومه الذين أغضبوه دون إذن، فدخل نبي الله يونس عليه السلام إلى جوف الحوت تحفُّهُ عنايةُ الله، حتى صار وهو في بطن الحوت في ظلمات حالكة ومدلهمة ثلاث وهي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.

ثم إن الحوت بقدرة الله تعالى لم يضر يونس ولم يجرحه ولم يخدش له لحمًا ولم يكسر له عظمًا، وسار الحوت وفي جوفه يونس عليه السلام يشق به عباب البحر حتى انتهى به إلى أعماق المياه في البحر، وهناك سمع يونس عليه الصلاة والسلام وهو في بطن الحوت حِسًا وأصواتًا غريبة فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: إنَّ هذا تسبيح دواب البحر، فما كان من نبي الله يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت وفي تلك الظلمات المدلهمة إلا أن أخذ يدعو الله عز وجل ويستغفره ويسبّحه تبارك وتعالى قائلًا ما ورد عنه في القرءان: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ سورة الأنبياء، وسمعت ملائكة السماء تسبيحه لله عز وجل وسألوا الله تعالى أن يُفرّج الضيق عنه، واستجاب الله تعالى دعاءه ونجاه من الغمّ والكرب والضيق الذي وقع فيه لأنه كان من المُسبّحين له في بطن الحوت والذاكرين، وأمر الله تعالى الحوت أن يلقيه في البرّ فألقاهُ الحوت بالعراء وهو المكان القفر الذي ليس فيه أشجار والأرض التي لا يُتوارى فيه بشجر ولا بغيره، ويونس عليه السلام مريض ضعيف.

وقد مكث نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام في بطن الحوت ثلاثة أيام، وقيل: سبعة أيام، وقيل غير ذلك. ولولا أنه سبح الله وهو في بطن الحوت وقال ما قال من التسبيح والتهليل للبث في بطن الحوت إلى يوم القيامة ولبُعث من جوف الحوت، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وإنَّ يونسَ لَمِنَ المُرسلينَ  إذْ أبَقَ إلى الفُلكِ المَشحون  فساهَمَ فكانَ مِنَ المُدحضين  فالتقمهُ الحوتُ وهُوَ مُليمٌ  فلولا أنَّهُ كانَ مِنَ المُسبِّحين  للَبِثَ في بطنِهِ إلى يومٍ يُبعثون  فنبذناهُ بالعراءِ وهُوَ سقيمٌ  وأنبتنا عليهِ شجرةً مِن يقطين  وأرسلناهُ إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدونَ  فآمنوا فمَتَّعناهُم إلى حين﴾ سورة الصافات.

فائدة: إذا قيل: ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها ؟

فالجواب: أنّ يونس عليه السلام خرج من بطن الحوت كان ضعيفًا مريضًا وهزيلًا في بدنه وجلده، فأدنى شيء يمرُّ به يُؤذيه، وفي ورق اليَقطين (القرع) خاصّيةٌ وهو أنه إذا تُرك على شيء لم يقربه ذباب، فأنبته الله سبحانه وتعالى على يونس ليغطيه ورقها ويمنع الذباب ريحُه أن يسقط عليه فيؤذيه. وفي إنبات القرع عليه حكمٌ كثيرة منها: أن ورقه في غاية النعومة، وأهمية تظليل ورقه عليه لكبره ونعومته، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى ءاخره نيئًا ومطبوخًا وبقشره وببذره أيضًا، وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل منه.

وقد سخّر الله تبارك وتعالى لنبيه يونس عليه السلام بعد أن ألقاه الحوت من بطنه أرْوِيَّة (وهي الأنثى من الوعول) يستفيد من لبنها فكانت ترعى بالبرية وتأتيه بكرة وعشية ليتغذى بلبنها وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وعنايته بنبيه يونس عليه الصلاة والسلام.

عودة نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام إلى قومه

ولما أصاب نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ما أصابه من ابتلاع الحوت له، علم عليه السلام أنّ ما أصابه حصل له ابتلاء له بسبب استعجاله وخروجه عن قومه الذين أُرسل إليهم بدون إذن من الله تعالى، وعاد عليه الصلاة والسلام إلى قومه أهل نينوى في العراق فوجدهم مؤمنين بالله تائبين إليه منتظرين عودة رسولهم يونس عليه السلام ليأتمروا بأمره ويتبعوه، فمكث عليه الصلاة والسلام معهم يعلمهم ويرشدهم، ومتّع الله تعالى أهل نينوى في مدينتهم مدة إقامة يونس فيهم وبعده ءامنين مُطمئنين إلى حين، ثم لما ضلوا بعد ذلك عن الصراط المستقيم الذي جاءهم به نبيهم وتولوا عن الإيمان دمّر الله تعالى لهم مدينتهم وأنزل عليهم العذاب وصارت مدينتهم عبرة للمعتبرين، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وأرسلناهُ إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدونَ  فآمنوا فمَتَّعناهُم إلى حين﴾ سورة الصافات.

فائدة: كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يلتجئ إلى الله عند الكرب والغم والشدائد فكان يكثر الصلاة والدعاء ويكثر ذكر الله تعالى، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أكربه أمرٌ قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث".

وروى الحاكم في مستدركه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعوةُ ذي النون إذ دعا ربهُ وهو في بطن الحون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدْعُ بها رجل في شيء قطُّ إلا استجاب له" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا صحيح الإسناد، ورواه الترمذي والنسائي.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمُ كلمةً لا يقولها مكروبٌ إلا فرّج الله عنه كلمة أخي يونس صلى الله عليه وسلم ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾" سورة الأنبياء.

فضل يونس بن متى عليه السلام

قال تعالى: ﴿وإنَّ يونسَ لَمِنَ المرسلين﴾ سورة الصافات، وروى البخاري وغيره بالإسناد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى".

ويقال: إن سيدنا يونس دفن على ساحل البحر قبل مدينة صيدا، وقيل: هذا الموضع الذي ألقاه فيه الحوت، والله أعلم بصحة ذلك.


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

38

متابعين

10

متابعهم

2

مقالات مشابة