ما أفسدته بعملي

ما أفسدته بعملي

0 المراجعات

في قرية صغيرة محاطة بالجبال والأنهار، عاش نجار يُدعى عماد. كان عماد معروفًا بمهارته الفائقة في صنع الأثاث. كل قطعة كان ينحتها كانت تعكس شغفه وإبداعه. ولكن، رغم براعته، كان عماد يعاني من نقص في الثقة بنفسه. دائمًا ما كان يشعر أن أعماله ليست جيدة بما يكفي.

في أحد الأيام، جاء إلى عماد رجل غريب يحمل في يده خريطة قديمة، وطلب منه صنع صندوق خشبي بناءً على تصميم الخريطة. كان التصميم معقدًا للغاية، لكنه أثار اهتمام عماد، فقبل التحدي وبدأ العمل على الفور.

أمضى عماد أسابيع طويلة يعمل على الصندوق، مستخدمًا أفضل أنواع الخشب وأدق الأدوات. كان يضع كل خبرته وشغفه في كل تفصيلة، لكن مع كل يوم يمر، كانت شكوكه تتزايد. هل سيكون هذا الصندوق مثاليًا؟ هل سيرضى الزبون؟

في نهاية المطاف، أكمل عماد الصندوق، وكان مذهولاً من جماله ودقته. شعر بالفخر، ولكنه في نفس الوقت كان يشعر بالخوف من ردة فعل الرجل الغريب. في يوم التسليم، جاء الرجل لتفقد الصندوق، وأثناء فحصه له، كانت عيناه تلمعان إعجابًا، لكن عماد لم يرَ ذلك، فقد كان مشغولاً بانتظار النقد.

أمسك الرجل الصندوق وقال: "هذا عمل رائع، لكن هناك خدش صغير هنا"، وأشار إلى جزء بالكاد يمكن رؤيته. كانت تلك الكلمات كافية لتنهار ثقة عماد بنفسه. شعر بأنه قد أفسد العمل برمته بسبب ذلك الخدش الصغير، ولم يعد يرى جمال الصندوق أو الجهد الذي بذله فيه.

قرر عماد في تلك اللحظة أن يتوقف عن صنع الأثاث، معتقدًا أن ما أفسده لا يمكن إصلاحه. باع ورشته وانتقل إلى مدينة أخرى، حيث عمل في متجر صغير بعيدًا عن النجارة.

مرت السنوات، وفي يوم من الأيام، بينما كان يتجول في السوق القديم، رأى عماد نفس الرجل الغريب يعرض الصندوق في معرض فني. تجمهر الناس حول الصندوق معبرين عن إعجابهم بجماله ودقته. اقترب عماد من الرجل وسأله: “لماذا تعرض الصندوق الذي أفسدته؟”

ابتسم الرجل وقال: "يا عماد، لم تفسد شيئًا. ذلك الخدش الصغير كان جزءًا من جمال الصندوق، لقد جعله فريدًا. الناس لا يرون العيوب كما تراها أنت، بل يرون الإبداع والجهد الذي بذلته".

أدرك عماد حينها أن خوفه وشكوكه كانت هي ما أفسدت رؤيته لعمله، وليس الخدش الصغير. قرر أن يعود إلى النجارة، وعاد إلى قريته ليعيد فتح ورشته، ولكنه هذه المرة عاد بثقة جديدة. تعلم أن يرى جمال عمله وجهده بدلاً من التركيز على العيوب الصغيرة.

وهكذا، استعاد عماد شغفه وثقته بنفسه، وعاش بقية حياته يصنع أجمل قطع الأثاث، مذكرًا نفسه دائمًا أن ما يراه الناس هو الجمال في الجهد والإبداع، وليس العيوب الصغيرة.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

0

متابعهم

1

مقالات مشابة