قصة التاجر الدمشقي
في الايام الخوالي في مدينة دمشق ؛ اصيب احد كبار التجار آنئذ بسرطان قاتل ولم تكن الشام تملك علاجا في تلك الاونة !!
وسرعان ماعقد الرحيل الى امريكا !!
وبعدما انهى جميع التحاليل والصور الطبية اخبره طبيبه المعالج هناك أنه لا نتيجة
ولا فائدة مرجوة من العلاج فقد استشرى السرطان بجسده ولم تعد هناك أي وسيلة اخري.
وقال الطبيب للتاجر بصراحة مطلقة:
لم يعد امامك من العمر الا ايام قليلة جدا لاتتجاوز شهرا واحدا فارجع الى بلدك لتموت فيها واغتنم ماتبقى لك من ايام قليلة فيما تحب وتشتهي واستمتع !!
عاد تاجرنا الى دمشق وقد مضى من شهره المتبقي ثلثاه ؛
وبدأ ينتظر موعد موته ورحيله وبينما هو كذلك ذات يوم ماطر شعر بضيق يأكل قلبه ويكتم أنفاسه فترك البيت وذهب يمشي هائما على وجهه حتى شعر ببعض التعب فتوقف على رصيف يسترد انفاسه .
كان على الرصيف صبية تحاور شابا وسيما يمضغ العلكة متمايلا ويبدو على محياه علائم السعة والقوة ولم يكترث الشاب الغني للتاجر المريض وتابع حديثه مع الصبية الفقيرة وهو يساومها على جسدها (هكذا فهم التاجر من حديثها وصوتها الخفيض) وهي تشرح للشاب حاجتها لبعض المال وقليل من الخبز
فقد رمى بها صاحب البيت الذي استأجرته مع اطفالها في الشارع ولم يلتفت لحالها ولم يعرها اي اهتمام فهو يراها خدعته ولم تدفع قرشا من أجرة ذلك البيت العتيق !!
غير ان الشاب الغني لم يتفق معها على ماطلبت وهي تساومه على جسدها النحيل فقد كان يريدها بثمن بخس !!
لم لا وهو الصياد الذكي وتركها ومضى !!
اقترب منها التاجر المريض رأى دموعا
من الأسى تفيض مرارة فقال لها:
اعذريني ياابنتي فقد سمعت حواركما فما قصتك وما الذي دعاك لهكذاعمل مشين؟
التفتت اليه الصبية وقالت:
اولادي في الشارع
رمانا صاحب البيت خارجا وزوجي سجين لاأعلم عنه شيئا وليس لي أهل!
واقسم بالذي رفع السموات بلا عمد انني اول مرة اساوم بها على جسدي وقد فعلت ذلك بعد أن أغلقت كل الابواب في وجهي وحتى هذا الباب لم يفتح .
قال التاجر المريض: اسمعي يابنيتي ماذا تقدمين لي اذا كفيتك حاجتك واعطيتك
كل العمر مؤونتك ومنعت الفقر عنك؟!
قالت: اطلب ماتريد …
فقال لها: أريد شيئا واحدا ان تعاهديني على ألا تبيعي جسدك للحرام طول عمرك وانا اتكفل بك مع اولادك !!
قالت الصبية: وافقت ..
قال التاجر: وماهو الضمان لتنفيذ ذلك؟
قالت الصبية : أتقبل ان يكون الله ضامنا لي؟!
أشهد الله الذي لايسمعنا غيره ان أفي وعدي لك كل عمري وحياتي
وأحمد الله الذي ارسلك لي الآن !!
قال التاجر: اتفقنا والشاهد علينا الله
أعطني عنوان بيتك وعودي وسأرجع اليك بعد قليل !!
وسرعان ماعاد التاجر الى مكتبه وسجل وصيته على ورقة ووضعها في صندوق المال وكتب عليها:
أبنائي / وصيتي ان ترسلوا راتبا شهريا يكفي خمسة أشخاص إلى العنوان المذكور في الاسفل طوال عمركم فنفذوا وصيتي من بعدي !!
وعاد التاجر الى بيت الصبية محملا بسيارة كبيرة تحمل مؤونة بيت متنوعة وقدم لصاحب البيت الإيجار عن الاشهر السابقة كلها وإيجار ثلاث سنوات قادمة
وهكذا فعل مع أصحاب المحلات اللتي كانت تتعامل معهم المرأه.
عاد التاجر الى بيته وفي قلبه فرح غامر رغم انه منتظرا موته في نهاية شهره المتبقي .
وانتهى الشهر وانقضت مدة البقاء في هذه الدنيا غير ان الموت لم يقترب منه وذهب اول الشهر الى الصبية وناولها راتبها وقفل راجعا ..
وتوالت الايام ولم يمت ، وتوالت الاسابيع والشهور والسنون ولم يمت وبقيت الوصية في خزنة النقود .
بعد أكثر من عشرين عاما نهض تاجرنا لصلاة الصبح وسجد خاشعا وفي قلبه يقين ونور وايمان وطمأنينة غير انه لم ينهض واسلم روحه لباريها وهو ساجد .
وبعد انقضاء مدة العزاء فتح اولاده صندوق المال فوجدوا الوصية المكتوبة ..
قال كبيرهم :تأخرنا سبعة ايام عن الراتب للصبية الفقيرة !!
ذهب بالراتب مسرعا الى العنوان المذكور ..طرق الباب ..
وخرجت امرأة لم تعد صبية
قال لها:تفضلي الراتب ونعتذر عن التأخير .
قالت له وفي عينيها دموع سخية :
أشكركم من قلبي
قل لوالدك ان يبحث عن محتاج غيرنا لقد قبض ابني اول راتب منذ سبعة ايام ولم نعد بحاجة للمال !!
سلم لي على ابيك …
وقل له: سأبقى أدعو له ماحييت .
نظر ابنه اليها وقد اغرورقت عيناه بالدموع …
وقال لها : لقد توفي والدي منذ سبعة أيام
فبدأت المراه في البكاء
وفي هذه اللحظه قال الولد والله ما شفي الله ابي الا ليكون سندا لهذه المرأة حتي يقبض ابنها راتبه الاول
فقد قبض ابنها راتبه الاول منذ سبعة أيام وتوفي ابي منذ سبعة أيام
…سبحان الله…