الهدهد الحكيم والجفاف الكبير
الهدهد الحكيم والجفاف الكبير
في غابة واسعة، تكسوها الأشجار الخضراء وتملؤها أزهار زاهية وأصوات الطيور المغردة، كانت تعيش مجموعة متنوعة من الحيوانات؛ من الطيور الملونة إلى الأرانب البريئة والسناجب النشيطة والثعالب الماكرة. ولكل منهم عاداته واحتياجاته الخاصة. وبينهم كان يعيش الهدهد الحكيم، ذو الريش الجميل والمميز. كان الهدهد محباً للسلام ومعروفاً بحكمته؛ فقد كان دائماً يقدم النصائح، ويسعى لحل المشكلات بين الحيوانات، حتى أصبح محبوباً ومقدراً من الجميع.
في أحد الأيام، حلت على الغابة فترة جفاف طويلة. جفت المياه، وذبلت الأزهار التي كانت تملأ الغابة بألوانها الزاهية، وقلت الأعشاب حتى بدا لون الأرض باهتاً ومتشققاً. شعرت الحيوانات بالجوع، وبدأ القلق يتسلل إلى قلوبها. وبدلاً من التعاون، اندفع كل نوع من الحيوانات إلى جمع ما يستطيع من طعامه المفضل؛ فتنافس السناجب بشراسة على الجوز، واحتكرت الأرانب كل ما استطاعت من الجزر، وبدأت الطيور تتشاجر على بذور الحبوب. وتحولت الغابة الهادئة إلى ساحة من الفوضى، ملأتها أصوات الصراخ والشجار.
راقب الهدهد الحكيم هذا النزاع من أعلى الشجرة. كان الحزن بادياً على عينيه وهو يرى الغابة التي كانت تعيش في سلام تتحول إلى مكان تسوده الفوضى. فكر كثيراً في كيفية حل المشكلة، وأخيراً قرر أن يتدخل قبل أن يتفاقم الوضع أكثر. طار إلى وسط الغابة حيث تتجمع الحيوانات، ونادى بصوت عالٍ وواضح: "أيتها الحيوانات! اجتمعوا رجاءً، لدي لكم كلام هام!"
تجمعت الحيوانات حوله، وكان الغضب والتذمر واضحين على وجوههم. نظرت إليه السناجب بعيون متحفزة، وقالت إحدى السناجب: "نحتاج إلى الجوز لنعيش، كيف نتشاركه؟" وردت الأرانب بغضب: "والجزر؟ هل نتخلى عنه ونحن بالكاد نجد ما نأكله؟"
نظر الهدهد بحكمة إلى الجميع وقال: "أصدقائي، نحن نعيش في نفس الغابة، ونتقاسم نفس الأرض والماء. إذا احتفظ كل منا بالطعام لنفسه، فسوف يجوع الآخرون، وربما لا تكفينا الموارد. لكن إذا تعاونا وشاركنا، يمكننا أن نجد حلاً يُرضي الجميع."
بقيت الحيوانات مترددة، وكان بعضها يعترض بصوت مرتفع، خصوصاً الثعالب التي قالت: "ما الضمان أن يأخذ كل منا حقه؟" لكن الهدهد لم يفقد هدوءه، وقال: "يمكننا أن نضع الطعام في مكان واحد ونوزعه حسب احتياجات كل نوع، وأنا سأساعدكم في تنظيم ذلك."
كانت الحيوانات تثق في الهدهد، لذا قررت أن تعطي فكرته فرصة أخيرة. بدأت الحيوانات بجمع الطعام المتبقي من الغابة. كان المشهد مليئاً بالتردد والخوف، لكن مع كل خطوة كانوا يخطونها، شعروا بشيء من الأمل. جمعت السناجب الجوز الذي خبأته، وجمعت الأرانب الجزر الذي وجدته، وحتى الطيور أحضرت بذورها. وزعت الكميات تحت إشراف الهدهد، وكانت المفاجأة أن الطعام كفّى الجميع، بل بقي فائض.
تغيرت الأجواء في الغابة. لم تعد أصوات الشجار تُسمع، بل حلت مكانها ضحكات الحيوانات وهي تتقاسم الطعام معاً. شعرت الحيوانات بسعادة غامرة، وبدأن يدركن قيمة التعاون والمشاركة. الثعالب، التي كانت دائماً حذرة ومتحفظة، اعترفت لأول مرة بخطأها وقالت: "لقد ظننا أننا نخسر، لكننا في الحقيقة كسبنا أكثر مما توقعنا."
تعلمت الحيوانات درساً عظيماً من الهدهد: أن التعاون والمشاركة هما السبيل إلى العيش بسعادة ووفرة. في نهاية اليوم، اجتمعت الحيوانات حول الهدهد لشكره على حكمته ومساعدته. قال الهدهد بابتسامة: "هذا النجاح ليس بفضلي وحدي، بل بفضلكم أنتم لأنكم اخترتم الاتحاد بدل النزاع."
ومنذ ذلك اليوم، أصبح التعاون قاعدة أساسية تعيش بها الغابة. وفي كل موسم جديد، كانت الحيوانات تتذكر درس الهدهد وتعمل معاً لتحقيق الخير للجميع. وهكذا عاشت الحيوانات في سلام ووئام، وتعلمت أن القوة الحقيقية تأتي عندما يتحد الجميع لتحقيق هدف واحد.