الهروب من العقاب.

الهروب من العقاب.

تقييم 5 من 5.
2 المراجعات

     الهارب من العقاب.

                       قصة وعبررة.

كَانَ سَامِي تِلْمِيذًا فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ مُتَوَسِّط، مَعْرُوفًا بِٱبْتِسَامَتِهِ ٱلْهَادِئَةِ وَخَجَلِهِ ٱلْكَبِيرِ. 

فِي ٱلْفَصْلِ، كَانَ يَنْظُرُ دَائِمًا إِلَى ٱلْأَرْضِ حِينَ يُحَدِّثُهُ ٱلْأُسْتَاذُ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ لِلْمُشَارَكَةِ إِلَّا نَادِرًا، وَرَغْمَ ٱجْتِهَادِهِ فِي ٱلْبِدَايَةِ، إلا أن نَتَائِجَهُ بَدَأَتْ تَتَرَاجَعُ فِي ٱلْفَصْلِ ٱلثَّانِي، بِسَبَبِ ٱنْشِغَالِهِ بِٱلْأَلْعَابِ ٱلْإِلِكْتْرُونِيَّةِ حَتَّى وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ ٱللَّيْلِ.

 

حِينَ ٱقْتَرَبَ مَوْعِدُ تَسْلِيمِ ٱلْكُشُوفِ، بَدَأَ قَلْبُ سَامِي يَخْفِقُ بِشِدَّةٍ. لَقَدْ حَصَلَ عَلَى نَتَائِجَ ضَعِيفَةٍ جِدًّا، خُصُوصًا فِي ٱلرِّيَاضِيَّاتِ وَٱلْفِيزِيَاءِ. 

كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ وَالِدَهُ سَيَغْضَبُ، وَوَالِدَتَهُ سَتَبْكِي مِنْ شِدَّةِ ٱلْخَيْبَةِ.

ظَلَّ طِوَالَ ٱللَّيْلِ يَتَقَلَّبُ فِي فِرَاشِهِ. “مَاذَا لَوْ صَرَخَ فِي وَجْهِي أَبِي؟

 مَاذَا لَوْ قَالَ لِي أَنَّنِي فَاشِلٌ؟”

وَفِي لَحْظَةِ يَأْسٍ، قَرَّرَ ٱلْهُرُوبَ. 

كَتَبَ وَرَقَةً صَغِيرَةً:

“أَنَا آسِفٌ، لَا أَسْتَطِيعُ مُوَاجَهَتَكُمْ، سَامِحُونِي.”

وَخَرَجَ خِلْسَةً قَبْلَ ٱلْفَجْرِ، مُتَّجِهًا نَحْوَ مَحَطَّةِ ٱلْحَافِلَاتِ.

 

فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱلْبَعِيدَةِ

وَصَلَ سَامِي إِلَى مَدِينَةٍ سَاحِلِيَّةٍ تَبْعُدُ مِئَاتِ ٱلْكِيلُومِتْرَاتِ. 

لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَحَدًا هُنَاكَ.

 أَخَذَ يَتَجَوَّلُ فِي ٱلشَّوَارِعِ تَائِهًا، يَشْعُرُ بِٱلْخَوْفِ وَٱلْبَرْدِ وَٱلْجُوعِ.

 حَاوَلَ ٱلنَّوْمَ عَلَى كُرْسِيٍّ فِي ٱلْحَدِيقَةِ، وَلَكِنْ رِجَالُ ٱلشُّرْطَةِ ٱسْتَوْقَفُوهُ وَسَأَلُوهُ عَنْ ٱسْمِهِ وَمَكَانِ سَكَنِهِ. ٱرْتَبَكَ، ثُمَّ قَالَ:

– أَنَا... ٱسْمِي سَامِي، وَهَرَبْتُ مِنْ بَيْتِي لِأَنَّنِي لَمْ أَسْتَطِعْ مُوَاجَهَةَ أَهْلِي…

نَظَرَ إِلَيْهِ ٱلشُّرْطِيُّ ٱلْكَبِيرُ فِي ٱلسِّنِّ وَقَالَ بِلُطْفٍ:

– ٱلْهُرُوبُ لَيْسَ حَلًّا يَا بُنَيَّ.

 ٱلْحَقِيقَةُ، مَهْمَا كَانَتْ قَاسِيَةً، أَهْوَنُ مِنَ ٱلضِّيَاعِ.

 

ثُمَّ أَخَذَهُ إِلَى مَرْكَزِ ٱلْحِمَايَةِ، حَيْثُ ٱسْتَقْبَلَتْهُ ٱمْرَأَةٌ طَيِّبَةٌ تَعْمَلُ فِي مَصْلَحَةِ ٱلطُّفُولَةِ. تَحَدَّثَتْ مَعَهُ بِهُدُوءٍ، وَٱسْتَمَعَتْ إِلَى قِصَّتِهِ، ثُمَّ قَالَتْ:

– ٱلْجَمِيعُ يُخْطِئُ، وَلَكِنَّ ٱلشُّجَاعَ هُوَ مَنْ يُوَاجِهُ ٱلْخَطَأَ وَيَعْتَذِرُ. أَتَسْمَحُ لِي بِٱلِٱتِّصَالِ بِوَالِدَيْكَ؟

هَزَّ رَأْسَهُ مُوَافِقًا، وَهُوَ يَذْرِفُ دُمُوعَ ٱلنَّدَمِ.

ٱلْعَوْدَةُ إِلَى ٱلْبَيْتِ

بَعْدَ سَاعَاتٍ، جَاءَ وَالِدُهُ مُسْرِعًا، وَٱلْقَلَقُ يَمْلَأُ وَجْهَهُ. وَحِينَ رَأَى سَامِي، ضَمَّهُ بِقُوَّةٍ وَقَالَ بِصَوْتٍ مُرْتَجِفٍ:

– حَسِبْتُكَ ضِعْتَ مِنِّي إِلَى ٱلْأَبَدِ يَا سَامِي! نَحْنُ نُحِبُّكَ، حَتَّى إِنْ رَسَبْتَ... كَانَ يَكْفِينَا أَنْ تَقُولَ لَنَا ٱلْحَقِيقَةَ!

 

أَجْهَشَ سَامِي بِٱلْبُكَاءِ وَقَالَ:

– كُنْتُ خَائِفًا... لَمْ أُرِدْ أَنْ أَكُونَ سَبَبَ أَلَمِكُمْ…

رَبَّتَتْ وَالِدَتُهُ عَلَى كَتِفِهِ وَقَالَتْ:

– لَا شَيْءَ يُؤْلِمُ أَكْثَرَ مِنْ غِيَابِكَ يَا بُنَيَّ.

 

ٱلْعِبْرَةُ:

عَادَ سَامِي إِلَى بَيْتِهِ، وَتَعَلَّمَ أَنَّ ٱلْمُوَاجَهَةَ أَفْضَلُ مِنَ ٱلْهُرُوبِ، وَأَنَّ ٱلْأَهْلَ مَهْمَا غَضِبُوا، يَظَلُّونَ يُحِبُّونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَيُرِيدُونَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَ. وَمُنْذُ ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ، بَدَأَ صَفْحَةً جَدِيدَةً، لَا يَخَافُ فِيهَا مِنَ ٱلْفَشَلِ، لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ كَيْفَ يُوَاجِهَهُ بِشَجَاعَةٍ.

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
نور تقييم 4.9 من 5.
المقالات

34

متابعهم

67

متابعهم

11

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.