سيدة الظلّ في محطة طوكيو

سيدة الظلّ في محطة طوكيو

0 reviews

“سيدة الظلّ في محطة طوكيو”

في ركن مهمل من محطة "شينجوكو" الشهيرة بطوكيو، بين الضجيج والركض الأبدي للقطارات، كان "هيديو" يعمل في تنظيف الممرات منذ عشر سنوات. رجل خمسيني، هادئ، لا يُرى ولا يُلاحظ، كما لو كان جزءاً من الجدران. نظراته كانت دائمة الانكسار نحو الأرض، وكأنها اعتادت الهروب من البشر.

في أحد أيام الشتاء، بينما كانت الثلوج تتسلل خلسة من أبواب المحطة وتذوب على أرضها الساخنة، لاحظ "هيديو" شيئًا غريبًا: امرأة تقف كل مساء في نفس الزاوية، بين الساعة السابعة والسابعة وعشر دقائق، دون أن تتحرك، ترتدي كيمونو أسود تقليدي، وتحمل مظلة مغلقة، رغم عدم وجود مطر.

لم تكن تتكلم مع أحد، ولا تنظر لأحد، فقط... واقفة هناك، في صمتٍ جامد.

مرت الأيام، والأسابيع، والسيدة لا تتغير، لا تتأخر ولا تتقدم. الفضول بدأ يأكل عقل هيديو، لكن الخوف كبح فضوله، حتى جاء مساء قرر فيه الاقتراب.

قال لها بصوت خافت:
— "أيمكنني مساعدتك؟"

لم تجبه. لكنها نظرت إليه. نظرة واحدة كانت كافية لتجمد الدم في عروقه. عيناها كانت سوداوين بالكامل، لا بياض فيهما، مثل بحيرة راكدة في منتصف الليل. لكنه لاحظ شيئًا أغرب: لا أحد من الركّاب حوله يبدو منتبهًا لها.

نظر حوله. الناس تمرّ بجانبها وكأنها غير موجودة. إحدى النساء اصطدمت بها... ولم تتزحزح، وكأن الأخرى مرّت من خلالها.

في اليوم التالي، عاد "هيديو" مبكرًا، يبحث في الإنترنت عن حوادث أو قصص غريبة في المحطة. وبعد ساعات من البحث، وجد مقالاً قديماً يعود لعام 1999:

"امرأة ثلاثينية انتحرت في محطة شينجوكو بعد اختفاء ابنها الوحيد في ظروف غامضة. شوهدت آخر مرة وهي ترتدي كيمونو أسود وتحمل مظلة مغلقة."

تطابق تام.

في تلك الليلة، لم يستطع النوم. ظل يتقلب، محاولًا طرد صورتها من ذهنه. صباحًا، أخذ قراره. سيذهب لمخاطبتها مرة أخرى، هذه المرة بلا خوف.

عاد إلى الزاوية المعتادة في الساعة السابعة. وجدها في مكانها، كما لو لم تبرح منذ البارحة. اقترب ببطء، ثم همس:

— "لقد قرأت قصتك... هل تبحثين عن ابنك؟"

لأول مرة، تحركت. نظرت إليه، ثم نطقت بصوت كاد يُسمع:

— "ما زال هنا... في مكان ما."

ثم اختفت.

ليس اختفاءً مسرحيًا. لا دخان، لا ضوء، فقط... لم تعد موجودة. وكأنها لم تكن هناك.

منذ تلك الليلة، لم يرها أحد مجددًا. لكن الغريب، أن "هيديو" أصبح يرى وجوهًا في الزوايا. وجوه بلا أسماء، بلا أجساد، تلوّح له كلما مرّ. وأحيانًا... يسمع همسات لا يسمعها غيره.

هل فقد عقله؟ أم فتحت له السيدة بابًا لا يُغلق؟
هو لا يدري، لكنه أصبح يتأمل المحطة بعين جديدة. يرى فيها الأرواح التي نسيها العالم. يسمّيهم "سكان الظل".

ومنذ ذلك الحين، لم تعد المحطة بالنسبة له مجرد مكان عمل. بل صارت مملكة أرواح... وحارسها الصامت، رجل يُدعى "هيديو".

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

5

followings

1

followings

1

similar articles