
النجاح عندما يبدأ من الصفر
النجاح عندما يبدأ من الصفر
"طريق خالد: من الظل إلى النور"
ولد خالد في قرية صغيرة نائية على هامش مدينة كبيرة. كانت أسرته فقيرة تعيش في منزل طيني قديم بلا ماء جارٍ ولا كهرباء مستقرة. توفي والده وهو في سن التاسعة، تاركًا أمه المريضة وثلاثة إخوة صغار في عهدته. في تلك الليلة التي وارى فيها والده التراب، نظر إلى السماء وأقسم أن يصبح شخصًا ذا قيمة، لا لأجل نفسه فقط، بل ليحمل عائلته إلى حياة كريمة.
منذ ذلك اليوم، بدأ خالد العمل في سوق الخضار بعد المدرسة. كان يحمل الصناديق، ينظف الأرضيات، وأحيانًا ينام في الزاوية الخلفية من محل البقالة حين لا يجد وسيلة للعودة إلى البيت. وعلى الرغم من التعب، لم يتخلف يومًا عن دراسته، بل كان يحمل كتبه إلى السوق، ويذاكر بين الزبائن وفي أوقات الراحة.
كان خالد طالبًا ذكيًا وفضوليًا. أحب الرياضيات والعلوم، وكان يطرح أسئلة يعجز المعلمون أحيانًا عن إجابتها. لاحظه أستاذ يدعى "سعيد"، كان يؤمن أن الذكاء لا يولد مع المال بل مع العزيمة، فبدأ يدعمه خفية، يعيره كتبًا متقدمة، ويساعده في فهم دروس ما بعد المنهج.
في امتحان الشهادة الإعدادية، تفوق خالد على جميع أبناء مدينته، بما فيهم أبناء الأسر الميسورة، وحصل على منحة دراسية للدراسة في مدرسة داخلية نموذجية في العاصمة. كانت المرة الأولى التي يركب فيها حافلة لمسافة طويلة، والمرة الأولى التي يرى فيها بنايات شاهقة وأنوارًا لا تنطفئ ليلًا.
في المدينة، واجه خالد نوعًا آخر من الفقر: فقر الانتماء. شعر بالغربة، وكان زملاؤه يسخرون من لهجته، من ملابسه البسيطة، من عاداته القروية. لكنه لم يرد، بل جعل من كل كلمة سخرية وقودًا يدفعه نحو القمة.
بدأ يقرأ بنهم: في الفلسفة، والعلوم، والتاريخ، والتكنولوجيا. وكان يزور المكتبات العامة في العطل، ويعمل بدوام جزئي في مقهى مقابل وجبة يومية وبعض النقود.
في نهاية الثانوية، حصل على المرتبة الأولى في البلاد، وعُرضت عليه منحة لدراسة الهندسة في الخارج. لكنه واجه معارضة أمه، التي لم تكن تريد أن تفقد ابنها كما فقدت زوجها. جلس معها طويلًا، أقنعها بأن نجاحه هو السبيل الوحيد لإنقاذ العائلة، فباركت سفره وعيناها تدمعان.
سافر خالد إلى كندا. واجه صدمة ثقافية حقيقية: لغة جديدة، مناخ بارد، وطباع غريبة. لكنه تشبث بحلمه. عمل في غسل الصحون ليلًا، ودرس نهارًا، وكان ينام أربع ساعات في اليوم. لم يشتكِ.
في سنته الثالثة، اخترع نموذجًا أوليًا لطائرة صغيرة تعمل بطاقة الرياح، وفاز بمسابقة جامعية. عرضت عليه شركة كبرى تمويل مشروعه، فقبل، وبدأ العمل معهم كمساعد باحث. بعدها، أصبح حديث الصحافة التقنية، وبدأ يُستدعى لمؤتمرات الابتكار.
بعد عشر سنوات من الغياب، عاد خالد إلى قريته. لكن هذه المرة، كان يقود سيارة صغيرة من نوع كهربائي صنعه بنفسه، ويلبس بدلة أنيقة، ويحمل في حقيبته مشروعًا لتزويد القرى النائية بالطاقة الشمسية.
أسس مؤسسة خيرية باسم والده، بنى بها مدرسة، ومركزًا صحيًا، ومكتبة عامة. وعندما سُئل في مقابلة تلفزيونية عن سر نجاحه، قال:
"السر؟ الفقر علّمني قيمة كل شيء، والحلم الكبير هو ما جعلني لا أستسلم. لم أكن أذكى من غيري، لكنني كنت أكثر إصرارًا. "تحوّل خالد إلى رمز للأمل في وطنه. كتب سيرته الذاتية تحت عنوان: "ولدت في الظل، لكنني لم أقبل أن أعيش فيه."
واليوم، تُدرّس قصته في بعض المدارس والجامعات، كتجربة حية على أن النجاح لا يعرف ظروفًا، بل يعرف أصحاب الإرادة.