خطوات لحياه متوازنه

خطوات لحياه متوازنه

1 المراجعات

.

خطوات لحياه  متوازنة

آمنت سعاد بأن الحياة رقصة تتطلب خطوات متوازنة، وأن الخبراء والرفقاء يسهّلون مناطق العبور الصعبة. طفولة هانئة بفضل والدين محبين، دراسة ميسرة بأساتذة مخلصين، وزواج من شخص مناسب، كل ذلك عزز قناعتها. كانت تدرك أن بعض الأيام نسير فيها فرادى، وأخرى تتطلب رفيقًا، وأن يد العون قد تأتي من غريب، وقد نكون نحن السند لآخرين.

لكن هذا الإيمان اهتز بعنف عندما داهمها ما لم يكن في الحسبان. بدأت أعراض غامضة: إرهاق، آلام متفرقة، ضيق في التنفس. زارت الأطباء، لكن الإجابات كانت مبهمة، تُلقي اللوم على "زيادة بسيطة في الوزن". كانت السمنة هي المرض الخفي الذي يعصف بجسدها، بينما هي تبدو جميلة ولا يظهر عليها مرض للعين المجردة. جسدها يصرخ، والتشخيص يتأخر، خطواتها تترنح في هذه الرحلة الشاقة.

في خضم هذا التيه، التمست السند من زوجها أحمد. لكنه، وبدلًا من أن يكون رفيق دربها، انسحب ببرود. "كفى يا سعاد. كلها أوهام! ما بكِ إرهاق نفسي وقليل من الكسل. اخسري وزنًا وستتحسنين. كوني أقوى وحسب." كانت كلماته طعنة، جردتها من الأمل. لكن رفضه لم يأتِ من فراغ؛ ففي قرارة نفسه، كان أحمد يحب سعاد كما هي، يرى في سمنتها جزءًا من جاذبيتها وربما راحتها. كان يخشى التغيير، وربما دون وعي، يفضل الحفاظ على صورتها التي اعتادها، حتى لو كان ذلك على حساب صحتها. هذا "الحب" المضلل كان قيداً آخر يقف في طريق سعاد نحو التعافي.

لم تكتفِ خيبة الأمل بهذا القدر. بعد أيام، اقتحمت أميرة، قريبة أحمد، حياتها بابتسامة صفراء وكلمات سامة: "ما هذا الذي أسمعه عن مرضكِ يا سعاد؟ السمنة مرض الأغنياء والفارغين. ألا يكفي الدلال؟ حياتنا ليست كلها توازن وسعادة مثالية." صدمت سعاد، كيف علمت أميرة بهذا السر وانها تذهب للتداوي؟ لا يعرف ذلك إلا أحمد. أدركت حينها أن زوجها هو من ألقى بسرها في بئر أميرة السام، باحثًا عن تبرير لخذلانه. كانت هذه إحدى أصعب التحديات الزوجية التي واجهتها، حيث كشفت العلاقة بينهما عن كونها إحدى العلاقات السامة التي تغيب عنها الثقة والدعم.

وجدت سعاد نفسها محاصرة: جسد منهك، زوج خاذل بسبب خوفه المبطن أو حبه المشوه، وقريبة تنهش فيها. تذكرت أن هناك من وجودهم في الحياة بحد ذاته عقبة وسم؛ هؤلاء يجب الابتعاد عنهم. همست لنفسها أمام المرآة: “أين هو التوازن الآن؟ هل كان مجرد وهم؟”

نقطة التحول: القوة من الداخل وضغط الأبناء المحب

لكن في عمق روحها، بصيص نور لم ينطفئ. بينما الأبواب تُغلق، انفتحت نافذة صغيرة على يد من لم تتوقع منهم هذا الوعي: أبناءها. لاحظ الأطفال، رغم صغر سنهم، التعب في عينيها. رأوا كيف كانت سعاد، التي لطالما عرفوها نشيطة ومشرقة، تهمد وتتألم بصمت. لم يخدعهم جمالها الظاهري عن رؤية معاناتها.

في أحد الأيام، بينما سعاد تحاول جاهدة النهوض، اقتربت منها ابنتها الكبرى، مريم، بعينين مليئتين بالقلق وقالت: "ماما، لماذا لا نذهب للطبيب ا؟ تقول إنه يساعد الناس على أن يصبحوا أقوياء من الداخل والخارج.

ابتسمت الام مردده من الداخل والخارج

" وأضاف ابنها الصغير، علي، بحماس: “وسأساعدكِ في تحضير الطعام الصحي الذي نحبه، وسنلعب في الحديقة كل يوم لتصبحين أقوى!”

كانت كلماتهم بلسمًا شافيًا. لم يروا "وزنًا زائدًا" أو "كسلًا"، بل أمهم التي تتألم وتستحق الدعم. أدركت سعاد أن هؤلاء هم رفقاء الدرب الحقيقيون. وفي مواجهة تردد أحمد، لم يستسلم الأبناء. ضغطوا عليه، براءة طفولية ممزوجة بإصرار الحب. "بابا، ماما تتألم!" قال علي ذات مساء بعينين دامعتين. "نحن نريد أمنا قوية وسعيدة كما كانت!" أضافت مريم بحزم. أمام هذا الضغط البريء الصادق، تراجع أحمد. لم يكن الأمر اقتناعًا كاملاً، بل استسلامًا أمام إرادة أبنائه القوية التي كانت أشد إلحاحًا من منطقه الخاص. وافق على مضض على خوض سعاد تجربة العلاج، ولو لمجرد إرضائهم. هذا دعم الأبناء غير المشروط كان نقطة فارقة في رحلتها نحو التعافي النفسي.

بدأت سعاد رحلتها الجديدة. مع كل صباح، كان الأطفال يصرون على مشاركتها في المشي لمسافات قصيرة، يمسكون بيدها بحماس، يقطعون معها كل خطوة. في المطبخ، كانوا يتسابقون لمساعدتها في إعداد الوجبات الصحية، يتعلمون معها عن الخضروات والفواكه، ويتحمسون لكل طبق جديد. أصبحت جلساتهم المسائية، يشاركونها وجباتها الخاصه  بعيدًا عن نظرات أحمد الباردة أو كلمات أميرة السامة، مملوءة بالحديث والضحك، يقصون عليها أحداث يومهم وتشاركهم أحلامها الصغيرة. كل ضحكة، كل قصة، كل خطوة، كانت تقرب سعاد من أبنائها أكثر، وتزيد من فهمها أن الحب الحقيقي لا يحتاج لكلمات كثيرة، بل لأفعال صغيرة صادقة.

استعادة التوازن: نهاية الرحلة وبداية جديدة

مع مرور الشهور، أظهرت سعاد قوة إرادة لم تكن تعرفها في نفسها. بجانب النظام الغذائي والنشاط البدني الذي مارسته بمساعدة أبنائها، التزمت أيضًا بالعلاج النفسي الذي نصح به الطبيب الجديد الذي وجدته بدعم من أمهات أخريات. بدأت الأعراض تتراجع تدريجياً، وعادت إليها حيويتها المفقودة. لم يكن الأمر مجرد خسارة وزن، بل كان استعادة للحياة بكل أبعادها. استعادة لعافيتها الجسدية، وقبلها عافيتها الروحية التي غذتها بذور الحب والدعم التي زرعها أبناؤها. هذه القصة الملهمة تُظهر التغلب على الصعاب بحق.

كانت سعاد قد تعلمت كيف تميز بين من يستحق العون ومن وجودهم في الحياة بحد ذاته عقبة وسم. أصبحت نظرتها لأحمد مختلفة. لم تعد تبحث منه عن الدعم، بل أدركت أن سعادتها وتوازنها ليسا رهينين بوجوده أو غيابه. العلاقة بينهما أصبحت فاترة، بلا نزاعات مفتوحة، لكنها خالية من أي روابط عميقة. أما أميرة، فكانت سعاد تتعامل معها بحدود واضحة وصمت مهذب، مفضلة الابتعاد عن سموم كلماتها. لم يعد لكلام أميرة أي تأثير على سعاد، فقد أصبحت أقوى من أن تهتز بأقوالها.

أصبحت سعاد مثالاً حياً للقوة والتوازن. فقد استعادت عافيتها، ليس فقط جسدياً، بل روحياً أيضاً. نظرتها للحياة أصبحت أعمق وأكثر واقعية، مؤكدة على أهمية الصحة النفسية. آمنت سعاد بأن استعراض كافة جوانب الحياة ونعيمها بتوازن هو مفتاح السعادة الحقيقية. عندما نعيش بتوازن، نكون أكثر سعادة، وأكثر إيجابية، وفي أماكن أفضل، لا لأننا حُرمنا، بل لأننا عرفنا كيف نمنح أنفسنا وكل جانب من جوانب حياتنا حقه.

وهكذا، عاشت سعاد حياتها الجديدة، كل خطوة فيها موزونة بالرغم من كل الصعاب، كل قرار فيها مدروس، وكل لحظة فيها مليئة بالامتنان، حتى لأقسى الدروس، وخصوصًا لقلوب أبنائها التي أعادت لها التوازن وأثبتت أن الحب الحقيقي هو الترياق.

كلمات مفتاحيه

# التوازن في الحياه

#التغلب علي الصعاب

# السمنه كمرض

#دعم الأبناء

# العلاقات السامه

# التعافي النفسي

# قوه الاراده 

# الصحه النفسيه

# التحديات الزوجية 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

6

متابعهم

1

مقالات مشابة