الساحل العماني:  1839 – 1891م

الساحل العماني: 1839 – 1891م

0 المراجعات

 لم تهتم بريطانيا بما يجري داخل الساحل العماني ولم تكن تنوي إقحام نفسها فيما لا يعود عليها بفائدة اقتصادية أو سياسية وكانت بريطانيا قد أجبرت في الفترة منذ عام 1830 م حتى عام 1840م على التدخل في شئون المنطقة الداخلية في الساحل العماني، وغدت بعد هذه الفترة ترقب ما يجري وتوجهه ما كان ذلك في إمكانها وأن سياسة بريطانيا منذ 1830م إلى عام 1840 م في داخل المنطقة كانت تميل إلى تجميع القبائل في اتحادات بعد الحد من خلافاتهم الموروثة.

استعاد السعوديون زمام الأمور لصالحهم في أواسط الجزيرة العربية منذ عام 1824 م ولم يأت عام 1830م حتى امتدت سلطتهم إلى الإحساء ولكن السعوديين وقد علمتهم التجارب السابقة ابتعدوا عن التدخل في شئون مشيخات الساحل العماني رغم ما لهم فيه من عقيدة وأنصار ومريدين، ولم يلب السعوديون دعوة راشد بن حمد شيخ عجمان حين دعاهم للتعامل معه ضد الشيوخ الأخرى في الساحل العماني، وأعربوا للشيخ راشد عن اعترافهم الصريح بأن سيد مسقط وشيخ الشاقرة هما رأس القبائل العمانية ولن يقوم اتصال إلا بواسطتهما . وقام الأمير تركي بإرسال راشد بن حمد ليمد جسور الصداقة والتفاهم مع الحكومة البريطانية.

اعترف السعوديون بالشيخ سلطان بن صقر الذي كان حذا ومن الناحية الظاهرية تظاهر سلطان للسعوديين بالود ولكنه خابر ستانوس عنهم وسأله عنهم وسأله عن موقف بومباي إذا اضطره السعوديون للعمل ضد السيد سعيد ورد ستانوس بأن اتصال سلطان بالسعوديين يجب أن لا يكون ذريعة لإحياء " القرصنة" وأن أي هجوم مسلح ضد السيد سعيد، هو في نظر ا لحكومة أمر غير ودي ولا يحظى بالقبول وتأكد قول المقيم بخطاب أفلنستون الذي جاء فيه بأنه لا ضير من امتداد السعوديين ماداموا قد قصروا نشاطهم العسكري على البر، أما إذا تطلعوا إلى البحر فيجب مواجهتهم.

وتطلع ابن عفيصان والي السعوديين على الإحساء إلى عمان، وقصرت جهوده، رغم حشوده، دونها وذلك لخوفه من أن يهاجمه طحنون بن شخبوط ويقطع عليه خط إمداداته إلى الإحساء وأتت ابن عفيصان فرصة غزو عمان حين عمت فوضى الاضطرابات مشيخة أبوظبي لتحتل طحنون وتنازع شيوخ أبو ظبي على السلطة في إبريل 1833م/ 1348هـ.

وفي غمار هذه الفوضى سقطت أبو ظبي، مؤقتاً، للسعوديين ولحقت جيوش ابن عفيصان أطراف عمان وطلبت من السيد سعيد دفع الزكاة وأسرع سعيد إلى النجدة ويطلبها من المقيم البريطاني الذي لم يزيد على نصحه بانتهاج سياسة سلمية تجلى السعوديين ومعالجة أموره بمقتضى ا لحال.

لم تقف حكومة بومباي موقف العداء الصريح للامتداد السعودي في  عمان ورأى البعض أن سقوط عمان في أيدي السعوديين وبسط نفوذهم عليها لا تعني بالضرورة عودة " القراصنة" بل يمكن أن يعين ذلك في حماية تجارة بريطانيا نتيجة للتجانس الذي سيفرضه السعوديون على المنطقة ورأت حكومة الهند أن لا  تتدخل ما احترم السعوديون  العلم البريطانيا وامتنعوا عن الشغب في البحار كما رأت أن تترك مسقط لمصيره أما إذا بدأت القرصنة فأن أمر كبحها سيكون أهون على الحكومة وأقل نفقة من أن تعين قوتهم سيد مسقط كلما هدد السعوديون سلطتهم وكثيرا ما كانوا يفعلون. كما فضلت الحكومة التعامل مع حاكم واحد يدرك سطوة بريطانيا على التعامل مع الإمام ومجموعة الشيوخ، وقررت الحكومة أخيراً التزام الحياد ونفض يدها من التحالف الوثيق مع إمام مسقط أطلق سراح خالد بن سعود الذي أخذته جيوش محمد علي على معية أخيه بعد خراب الدرعية ويبدو أنه كان " مصري النزعة والأهواء" واستطاع التغلب على فيصل بن تركي وأخذ الرياض حيث تراجع فيصل إلى الإحساء فأدركه خورشيد هناك واحتل الإحساء في ديسمبر 1832م / 1248هـ وهنا تدبرت السياسة البريطانية خططها ورأى البعض أن امتداد قوة والي مصر على سوريا والعراق والخليج قد يكون مفيدا ذلك لأن القوات المصرية قد تتحدد مع القوة الفارسية ويقيمان سد يقف ضد أطماع روسيا في المنطقة، أما الاحتمال الثاني هو أن اتحاد هاتين القوتين قد يكون مضرا بالمصالح البريطانية إذ قد يولد هذا التزاوج قوة بحرية تربط ساحلي الخليج إلى بعضهما وتقف ضد المصالح البريطانية " ففارس في أعمهان مسلمة وبرغم اختلاف الشيع والأحزاب الإسلامية في المنطقتين إلا أنهما قد يلتقيان عند هدف مقدس يحتم عليهما طرد المسيحيين من الهند التي بها عدد من المسلمين عظيم"، كما رأى هؤلاء الساسة أن تحالف القوتين المسلمتين قد يكون ضد روسيا لتخليص مسلميها من زبقة الروس. ورأي البعض أن مصر قد تتفق وروسيا على اقتسام فارس مما يسبب لحكومة الهند مشاكل متأزمة ومع ذلك فقد وصلت السياسة البريطانية إلى نتيجة فحواها أنه ليس من الحكمة أن تشجع محمد علي باشا على التوسع.

أخذت كل من الحكومة البريطانية والهند تعملان في تناسق تام بهدف وقف النفوذ المصري في الخليج وبعث بالمرستون إلى كامبل ممثل الحكومة البريطانية في مصر خطابا بتاريخ 29 نوفمبر 1838م يطلب وليه فيها أن يوضح لمحمد علي بأن الحكومة البريطانية تود جادة أن لا  ترى قواته على ساحل الخليج.

وقام سلطان بن شخبوط بتأكيد تضامن أخيه حاكم أبو ظبي شيخ البحرين وكانت هذه محاولة بريطانية لتوحيد المنطقة لتقف في وجه الزحف المصري.

وفي الأول من مايو 1839م الموافق 1255هـ عرف أحد قادة السفن البريطانيين في الخليج بوصول جماعة مسلحة قومها 150 رجلاً إلى الشارقة بقيادة سعد بن مطلق.

وعرف القائد أن هذه القوة قد أتت من القطيف تحمل تفويضاً من الأمير خالد باسترداد السيادة السعودية في البوريمي من النعيم، طير ذلك القائد الخبر إلى المقيم الذي تحرى فيه وعرف أن شيخ الشارقة قد أعد لسعد منزلاً محصناً، وأن سعداً قد نادى على قبائل البوريمي بالتسليم وتمنعت القبائل بقيادة النعيم عليه واستعصت وشد حمود بن  عزان والي صحار من أزر رجال هذه القبيلة بإرسال 200 محارباً بقيادة أخيه، كما عضدهم خليفة بن شخبوط حاكم أبو ظبي.

وقد دافع سلطان بن صقر عن نفسه حين أوى القائد السعودي بأنه يخشى اتخاذهم مع شيخ أبو ظبي، أو أي آخر من شيوخ المنطقة وأن قوة أي شيخ متحد مع السعوديين يمكن أن تنال من مركزه وأرضه .

استطاع المقيم المساعد في غضون هذه الأحداث أن يحصل على تعهد مكتوب من شيوخ أبو ظبي ودبي والشارقة وأم القوين جاء فيه أن هؤلاء الشيوخ يساندون السياسة البريطانية لأنها ترمي إلى الحفاظ على (استقلالهم) ويعرضون السياسة المصرية التي تسعى (لإفساد) استقلالهم (10) وأضاف المقيم إلى تعهد سلطان بن صقر بندا ألزم فيه الشيخ  نفسه بعدم الدخول في علاقات تعاهد مع أي قوة أجنبية كما التزم هذا الشيخ أيضاً بأن لا يتفاوض مع أي جهة أجنبية إلا عن طريق الحكومة البريطانية وأنه يعتبر صديق بريطانيا صديقه وحليفه ومن يعاد بريطانيا عدوه.

وافقت حكومة الهند على كل ما قام به مكتب المقيم من إجراءات وقائية، وعموما فقد زال خطر محمد علي عن مشيخات الساحل في سبتمبر 1840م/ 1256هـ حين تصدت له تركيا وبريطانيا والنمسا ووافق بمقتضى ميثاق الإسكندرية على أن ينسحب من سوريا والجزيرة العربية وعدن وكريت.

صار موقف الأمير خالد بعد هذا ضعيفا فأخرج من الرياض في 1814م وعاد إلى الإحساء وقام الأمير فيصل بن تركي في 1843م/ 1259هـ ليحكم في منطقة الدولة السعودية وما عادت حكومة الهند بعدها تهتم بالمنطقة الداخلية من الساحل العماني اهتماما مباشرا، إنما كانت تسترق السمع ثم تحاول معالجة الأمر بما يتطلبه الموقف كان هنيل يثق أن فيصل بن تركي سيعمل على  صداقة البريطانيين الذين لا بد وأن قد عرف عنهم وهو في منفاه، القوة والمنعة.

ولما جاء فيصل من مصر واستقر له الأمر كتب في يوليو عام 1843م/ 1259هـ إلى شيوخ البوريمي يعلن عن عزمه على استرداد سلطة السعوديين في المنطقة واتصل هؤلاء الشيوخ بالمقيم يسألون المساندة فلم يتحمس لقضاياهم ورد عليهم بأن ما يحدث في الداخل لا يعني حكومته البته لأن حكومتهم كانت تحميهم من الامتداد المصري ولكن ما يحدث حاليا يعتبر نزاعا بين القبائل في المنطقة وليس بينهم وبين الأتراك والمصريين هذا أمر لا يهم حكومته قام الأمير فيصل بن تركي بإيفاد سفارة في عام 1843م يسأل تجديد علاقات الصداقة التي امتدت أواصرها منذ عهد أبيه تركي. وقد رحب المقيم بالسفارة وقال إن غاية الحكومة البريطانية من التواجد في الخليج هو العمل على كبح " القرصنة" وصيانة أمن البحر، وحفظ أموال المواطنين، وأرواحهم فوق مياه الخليج.

إن ما سبقت الإشارة إليه يعتبر تبريرا زائفا للسياسة البريطانية للتواجد بالمنطقة وفيما يتعلق بنفوذ الدولة العثمانية فإنه لم يتخذ شكلا جديا في المنطقة إلا منذ سنة 1870م، وقد مهدت لهذه عوامل مختلفة تضافرت جميعها على دفع العثمانيين نحو الخليج، منها تولي مدحت باشا حكومة بغداد (1869م/ 1872م) وكان الرجل يمثل فريق المصلحين الذين يرون ضرورة تثبيت السلطة الفعلية في جميع المناطق التي تخضع للدولة اسمياً وأن خير وسيلة لتعويض الخسائر الأقليمية في البلقان هي تأكيد السلطة العثمانية في البلاد الإسلامية التابعة هذا فضلا عن أن مدحت باشا كان ينطلق من رغبة ملحة لمناوئة البريطانيين في الخليج وكان يقدر استجابة الخليجيين السنيين باعتبارهم رعايا الخليفة العثماني.

أدت التنظيمات في الجيش العثماني، بعد حرب القرم، إلى أن يصبح هذا الجيش جيشا نظاميا مما مكن للسلطان عبدالعزيز (1861/1876م) أن يخضع بعض المقاطعات التي تزعزع ولاؤها للدولة، وعمل السلطان عبدالعزيز على مضاعفة حامية مكة والحجاز وبدأ يتجه إلى نجد والخليج العربي .

أن حملة الإحساء خرجت بقيادة نافذ باشا في إبريل سنة 1870م/ 1287هـ وجرت وراءها عديدا من القبائل العربية التي تنزل جنوب العراق، كما ساعدها عبدالله الصباح حاكم الكويت بوضع عدد كبير من سفنه تحت تصرفها وانتهز الشيخ قاسم آل ثاني فرصة وصول العثمانيين إلى أطراف بلاده وطلب منهم إقامة حامية عثمانية ببلاده وكان دافع قاسم إلى ذلك مقاومة ادعاءات حاكم البحرين على شبه جزيرة قطر. وقد أثار وجود العثمانيين في قطر مشكلة الحدود بين قطر وبين أبو ظبي، ولم تعترض حكومة الهند على تحركات مدحت باشا في حدود المناطق المعترف بها للعثمانيين في شمال قطر، ولكنهم ما أن بلغوا قطر حتى استمات البريطانيون في وضع حد لزحفهم عند العديد، كما قامت بريطانيا بتأكيد اتفاقاتها مع شيوخ البحرين حتى لا يصل إليهم العثمانيون.

ولماكانت الحكومة العثمانية تتطلع إلى ضم البوريمي التي تعتبرها جزءا من نجد فإن ذلك الشيخ سيجد فيها حليفا طبيعيا مما جعل شيخ أبو ظبي يستجيب لنداء العثمانيين وهو أن التقسيمات وهم فرع من بني ياس قد هجروا أبو ظبي ونزلوا عند خور العديد في 1869م، وكان هذا دأبهم كلما اختلفوا مع أحد شيوخ أبو ظبي، وزحل هؤلاء القوم مرتين قبل هذه الفترة إلى هذه المنطقة، مرة في 1835م وأخرى في عام 1849م وكان الرأي البريطاني الغالب أن هذا قد يجعل شيخ أبو ظبي يركن للأتراك لمساعدته ضد القبيسات ، كما أن قبول شيخ أبو ظبي لدعوة الأتراك سيؤكد تبعية القبيسات له إذ رفض العثمانيون اعتبار شيخ أبو ظبي تحت الحماية التركية.

غير أن الوضع ظل على حاله حتى عام 1876م ولم تهتم الحكومة البريطانية بأمر القبيسات ونزاعهم مع شيخ أبو ظبي، وانقلب الوضع في تلك السنة إذ قام بعض بنى هاجروبني مرة بتعكير صفو الأمن البريطاني على الخليج إذ حدث إن قتل بعض بني هاجر في يوليو 1876م (ناخوذة) لمركب تابع لأبو ظبي عند خور العديد ، واستولوا على المركب وما عليها من لآليء . وما أن حل العثمانيون بالمنطقة حتى تعقد الأمر وقد " سبب هذا طعنة نجلاء لمصالحنا في الخليج وهيبتنا فوق مياهه فنحن ما دمنا نغل أيدي الشيوخ المهادنين عن القبائل الأخرى بحرا فليس أقل من أن نحميهم من قراصنة الآخرين الذين ليس لنا معهم اتفاقات ممثلة كما ذكر المقيم البريطاني في المنطقة والذي أشار أنه يرى أن تشجع زايد بن خليفة على ضم خور العديد وأضاف بأنه يخشى من تأزم الأمر إذا حدث أن اتصل بطي بن خادم بالأتراك ليعنيوه، واستقر رأي المقيم أخيرا إلى أنه يرى أن يفوض البريطانيون العثمانيين ليقنعوهم بأن البدع ووكره والعديد وغيرها من هذه المناطق هي مناطق مجدبة فقيرة لا تعود على الأتراك بنفع ولن تجلب لهم ربحاً، ولكنها في نفس الوقت تضايق سير التجارة البريطانية وتعوق السياسة البريطانية في الخليج وعرف الشيوخ المهادون أنه لابد من احترام تلك السياسة التي هي جزء من النظام التهادني. غير أن هذه السياسة يمكن التدخل فيها من الجهات الأخرى بسهولة ويسر لتضع حدا للسيادة البريطانية فوق الخليج.

أشار السكرتير البريطاني في مذكرته الحكومة الهندية إلى ضرورة تعديل الاتفاقات التي تربطهم وبالشيوخ المهادنين وغيرهم في المنطقة وأن تعاد صياغتها بطريقة تسمح بالتدخل البريطاني بشكل مباشر، وعموما فقد أرسلت حكومة الهند إلى المقيم في الخليج لكي يعالج الوضع بما يراه مناسبا.

كتب المقيم في يونيو 1877م أيضا إلى شيخ أبو ظبي ينهى إليه أن حكومة الهند قررت إرجاع منطقة العديد لتكون تحت سيادته. وأرسل إلى حكومة الهند لترسل له بارجة حرربية كبيرة لتعينه على إرجاع المنطقة لسيادة شيخ أبو ظبي، واستجابت له حكومة الهند فأرسلت في مارس 1878م/ 1297هـ سفينة الحرب الملكية تسر إلى بوشهر.

وقد أوصى المقيم في الخليج العربي بأن تعاد صياغة الاتفاقات مع هؤلاء الشيوخ لأن الأمير السعودي وهو مسئول تركي يرى أن البحرين وأبو ظبي ودبي جزء من نجد وأضاف أن على الحكومة البريطانية أن تتخذ موقفاً صارماً حيال هذا الأمر.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

236

متابعهم

590

متابعهم

6657

مقالات مشابة