"التاريخ العراقي القديم: مهد الحضارات الإنسانية"

"التاريخ العراقي القديم: مهد الحضارات الإنسانية"

0 reviews

التاريخ العراقي القديم

 

مهد الحضارات الإنسانية

تُعدّ أرض العراق القديم، المعروفة تاريخيًا باسم بلاد الرافدين (ميزوبوتاميا)، من أقدم المناطق التي شهدت نشوء الحضارات البشرية. وقد شكّل موقعها الجغرافي، بين نهري دجلة والفرات، بيئة خصبة لنمو المجتمعات الأولى التي تركت بصمات واضحة في مسيرة التاريخ الإنساني.

مهد الحضارة السومرية

بدأت أولى الحضارات في العراق مع السومريين حوالي عام 3500 قبل الميلاد في جنوب العراق، في مدن مثل أوروك وأور وإريدو. يُنسب إليهم ابتكار الكتابة المسمارية، التي تمثل أول نظام كتابة في العالم، واستخدموها لتوثيق المعاملات التجارية، والنصوص الدينية، والتشريعات. كما أنشأ السومريون أول نظام قانوني، وأسسوا مفاهيم الدولة والمدن المستقلة.

بابل وأسطورة الحضارة

في الألفية الثانية قبل الميلاد، برزت مدينة بابل كمركز حضاري هام. شهدت هذه الفترة حكم الملك الشهير حمورابي، الذي وضع أول وأشهر مدونة قوانين مكتوبة في التاريخ، عُرفت بـ"قوانين حمورابي". كما ازدهرت الفنون والعمارة والعلوم، ويُعتقد أن حدائق بابل المعلقة كانت من عجائب الدنيا السبع القديمة.

الآشوريون: القوة والعمران

في شمال العراق، ظهرت الإمبراطورية الآشورية، التي امتدت من القرن التاسع حتى السابع قبل الميلاد، وكانت من أقوى الإمبراطوريات في زمانها. تميّز الآشوريون ببراعتهم العسكرية وبناء مدن عظيمة مثل نينوى وآشور. كما طوروا نظم إدارة الدولة، وأنشأوا مكتبات ضخمة، مثل مكتبة الملك آشوربانيبال التي احتوت آلاف الألواح الطينية.

العلوم والفلك في بلاد الرافدين

كان العراق القديم مركزًا علميًا متقدمًا، حيث برع سكانه في علم الفلك والرياضيات. عرفوا التقويم القمري، وحددوا حركات الكواكب، وابتكروا نظام العد الستيني الذي نستخدمه اليوم في قياس الوقت

(60 ثانية، 60 دقيقة). كما وضعوا أسسًا للطب والهندسة، وتركت آثارهم في هذه المجالات أثرًا امتد لقرون.

نهاية العصور القديمة وبداية العصور الإسلامية

مع سقوط بابل على يد الفرس عام 539 قبل الميلاد، دخل العراق عهدًا جديدًا من التغيرات السياسية والثقافية. تبع ذلك الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، الذي أعاد للعراق دوره كمركز حضاري وعلمي في العصور الإسلامية اللاحقة، خاصة في عهد الدولة العباسية.

الإرث الثقافي وآثار العراق القديمة

ما زالت آثار الحضارات العراقية القديمة تشهد بعظمة الماضي، حيث تنتشر المواقع الأثرية مثل زقورة أور، وأسوار نينوى، ومسلات بابل. ورغم التحديات التي واجهها العراق في العصر الحديث، فإن تاريخه العريق لا يزال مصدر إلهام للعالم. تسعى الجهود الدولية والمحلية اليوم للحفاظ على هذا التراث، من خلال التنقيب والترميم، وإدراج بعض المواقع ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. فالعراق ليس مجرد بلد، بل هو ذاكرة الإنسانية، وأرض القصص الأولى التي كُتبت، والأفكار التي بُنيت عليها حضارات لاحقة في الشرق والغرب على حد سواء.

تأثير حضارة العراق القديم على العالم

امتد تأثير حضارة العراق القديم إلى مختلف الحضارات اللاحقة في الشرق الأوسط وأوروبا. فعلى سبيل المثال، استلهم الإغريق والرومان من نظم الحكم والقانون التي أسسها السومريون والبابليون. كما وصلت المعرفة الفلكية والرياضية التي طورها علماء العراق إلى الهند، ثم نُقلت إلى أوروبا في العصور الوسطى عن طريق الترجمة في بغداد خلال العصر العباسي.

كذلك، لا يمكن إغفال الأثر الثقافي والديني؛ فقد ورد ذكر العراق القديم في العديد من النصوص الدينية كالتوراة والإنجيل، باعتباره مهد البشرية وموقع جنة عدن وفق بعض الروايات. مدينة أور، مسقط رأس النبي إبراهيم عليه السلام، تعد رمزًا روحيًا هامًا في الديانات السماوية الثلاث.

التحديات التي تواجه التاريخ العراقي

رغم هذا الإرث العظيم، واجهت آثار العراق تحديات جسيمة، أبرزها الحروب والنزاعات والنهب الذي تعرّضت له المواقع الأثرية. وقد فقد العراق العديد من القطع النادرة، بعضها لا يزال مفقودًا حتى اليوم. لكن هناك جهودًا متزايدة لاستعادتها، وتوثيق التاريخ من جديد، بما يحفظ هوية العراق ويضمن نقل حضارته للأجيال القادمة.

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

1

followings

43

similar articles