من متجر أرز صغير إلى عرش التكنولوجيا: قصة صعود سامسونج

من متجر أرز صغير إلى عرش التكنولوجيا: قصة صعود سامسونج

1 المراجعات

في صباح الثاني عشر من فبراير عام 1910، وُلد "لي بيونغ شول" في مقاطعة جيونج سانج الجنوبية بكوريا الجنوبية، وسط عائلة ميسورة الحال، الأمر الذي أتاح له فرصة التعليم الجيد والتعرف المبكر على عالم التجارة. منذ صغره، كان يراقب حركة البيع والشراء بشغف، ويحلم أن يكون له مشروعه الخاص الذي يترك بصمته في السوق.

image about من متجر أرز صغير إلى عرش التكنولوجيا: قصة صعود سامسونج
لي بيونغ شول مؤسس شركة سامسونج

عندما بلغ سن الدراسة الجامعية، شد الرحال إلى اليابان والتحق بجامعة "وسيدا" المرموقة لدراسة الاقتصاد. هناك، اكتسب معارف واسعة حول أسس الإدارة وتخطيط الأعمال. وبمجرد تخرجه، قرر أن يبدأ أولى خطواته العملية بتأسيس متجر لبيع الأرز. لكن رغم اجتهاده، لم يحقق المشروع النجاح المنتظر، واضطر لإغلاقه عام 1937. هذه التجربة، بدلًا من أن تثنيه عن الطموح، زادته إصرارًا على البحث عن فرص جديدة.

قضى "لي" عامًا كاملًا في رحلات داخل الصين وكوريا، يتأمل الأسواق ويبحث عن فجوات يمكن استغلالها. وخلال تلك الفترة، لاحظ نقصًا في تجارة الخضروات والفاكهة، فقرر دخول هذا المجال. وفي عام 1938، افتتح متجره في مدينة دايغو، مضيفًا إلى منتجاته السمك المجفف، وأطلق عليه اسم "Samsung Sanghoe" أو "النجوم الثلاثة"، رمزًا إلى القوة والخلود.

ازدهر المتجر سريعًا واكتسب شهرة واسعة، مما شجعه على التوسع إلى العاصمة سول. لكن الحرب الكورية أجبرته على الانتقال إلى بوسان، حيث أعاد ترتيب أوراقه. وبعد انتهاء الحرب عام 1953، قرر خوض تجربة جديدة تمامًا، فأسس مصنعًا لتكرير السكر، وحقق فيه نجاحًا لافتًا.

 

البداية الحقيقية مع التكنولوجيا
في أواخر الستينيات، ومع بدء العالم في الانفتاح على الثورة التكنولوجية، قرر "لي" أن يضع بصمته في هذا المجال. عام 1969، أسس شركة "Samsung Electronics"، التي كانت في بدايتها مصنعًا صغيرًا للإلكترونيات، لكنها مثلت حجر الأساس لإمبراطورية تكنولوجية قادمة.

لم يتوقف "لي" عند هذا الحد، فبعد أربع سنوات، أطلق شركتي "Samsung Electra-Mechanics" و"Samsung Corning" المتخصصتين في تصنيع مكونات الشاشات وأنابيب الأشعة المهبطية، ما فتح الباب أمام سامسونج لدخول سوق أجهزة التلفاز. ومع مرور السنوات، توسعت المجموعة لتضم 37 شركة تعمل في مجالات متنوعة.

في 19 نوفمبر 1987، توفي "لي بيونغ شول"، تاركًا وراءه إرثًا ضخمًا. اجتمع رؤساء الشركات التابعة وقرروا بالإجماع تولية ابنه "لي كون هيه" منصب الرئيس.

إصلاح السمعة: من "سام سَك" إلى الجودة أولًا
عند تولي "كون هيه"، كانت منتجات سامسونج تعاني من سمعة سيئة في الأسواق الغربية، حتى أن المستهلكين أطلقوا عليها لقب "Sam-Suck" (سامسونج المقرفة). لكن حادثة عام 1995 كانت نقطة التحول الكبرى، حين اكتشف أن الهواتف التي أهداهـا لأصدقائه لا تعمل.

في مشهد لا يُنسى، أمر بجمع 150 ألف جهاز جديد، وجعل 2000 موظف يحطمونها بالمطارق ويحرقونها، رغم أن قيمتها بلغت 50 مليون دولار. ثم خاطبهم قائلاً: "هذه الجودة لا أريدها، شعارنا من الآن: الجودة أولًا". هذه اللحظة كانت بمثابة إعادة ولادة لسامسونج.

قفزات ابتكارية متتالية
بعد الحادثة بثلاث سنوات، أطلقت سامسونج أول تلفاز ديجيتال في العالم، ثم أول ساعة ذكية عام 1999. وفي عام 2000، أصدرت هاتفًا بخاصية MP3، الذي صنفته مجلة "تايم" ضمن أهم 100 ابتكار في القرن العشرين. هذه الإنجازات، مع استمرار التطوير، جعلت سامسونج تنتقل من السخرية إلى الريادة في أقل من عقد.

اليوم، تتصدر سامسونج سوق الهواتف الذكية عالميًا، وتسيطر على أسواق شاشات LCD وأشباه الموصلات، حيث تمتلك نحو 12.5% من السوق العالمي، وتسعى لاحتلال 20% من سوق معدات الـ5G.

أكثر من مجرد شركة إلكترونيات
رغم شهرتها العالمية في مجال التكنولوجيا، فإن مجموعة سامسونج تضم شركات تعمل في التجارة، الفندقة، الأزياء، التأمين، البناء، وحتى الصناعات العسكرية. هذا التنوع جعلها العمود الفقري لاقتصاد كوريا الجنوبية، حتى أن البعض يطلق على البلاد لقب "جمهورية سامسونج".

التأثير الاقتصادي للمجموعة كبير لدرجة أن أي أزمة داخلها قد تهدد استقرار الاقتصاد الكوري. ففي قضية رشوة عام 1996، حُكم على "كون هيه" بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ، حرصًا على عدم زعزعة الاقتصاد الوطني.

استمرار المسيرة حتى اليوم
بعد وفاة "كون هيه" في أكتوبر 2020، تولى ابنه "لي جاي يونغ" القيادة، مستمرًا في التوسع عالميًا. واليوم، يعمل لدى سامسونج أكثر من 300 ألف موظف، وهو عدد يفوق مجموع موظفي "آبل" و"جوجل" و"مايكروسوفت" مجتمعين.

رحلة سامسونج من متجر صغير لبيع الأرز إلى قمة شركات التكنولوجيا العالمية، تؤكد أن الرؤية البعيدة، والتمسك بالجودة، والاستعداد للتغيير، يمكن أن يحول فكرة بسيطة إلى إمبراطورية صناعية تغير ملامح الاقتصاد العالمي.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة