الفصل الثالث: على حافة النهر

الفصل الثالث: على حافة النهر

0 reviews

كانت شمس الصباح تتسلّل بخجل من بين الغيوم الرمادية، ترسم خيوطاً ذهبية متقطّعة على حجارة الطريق الرطبة.

نسيم بارد حمل معه رائحة العشب المبلّل، وصوت حفيف الأوراق على جانبي الطريق بدا كأن الطبيعة نفسها تهمس لهم بأسرارها.

كان كينغ وأريانا يسيران بخطوات هادئة، يتبادلان الحديث بينما يقتربان من الجسر المؤدي إلى المدرسة.

قالت أريانا وهي تشدّ حقيبتها على كتفها:

ــ “اليوم لدينا حصة رياضة… أتمنى ألا يكون المدرس كالعادة مزاجة سيئا.”

ابتسم كينغ ابتسامة جانبية وأجاب:

ــ “وإن كان مزاجة سيئا، فربما لأنه يراكي كل صباح.”

رفعت حاجبها وضربته بخفة:

ــ “احذر، وإلا سأرميك في النهر قبل أن نصل إلى المدرسة ايها المغرور.”

من بعيد، ظهر مايك، ابتسامته البريئة تسبق خطواته.

ــ “صباح الخير أيها المتأخران، هل سنصل متأخرين كالمعتاد؟”

ابتسم كينغ قائلاً:

ــ “طالما أنت معنا، فالتأخير مؤكد.”

لحقت بهم إينو بخطوات سريعة، شعرها الأسود يلمع مع ضوء الصباح، وعيناها البنيتان تبرقان بحيوية.

إينو: “أريانا، هل أنجزتِ واجب الرياضيات؟”

أجابت أريانا: ببرود مصطنع:

ــ “بالطبع، ولكن لا تظني أنني سأعطيك إياه هذه المرة.”

ضحكت إينو بخفة:

ــ “ومن قال إنني كنت سأطلبه؟”

وصل جاك وهيدان وهما يتبادلان النكات، ثم لحق بهم ليو، ذو الشعر البرتقالي اللامع والعينين الزرقاوين الحادتين، ملامحه تجمع بين الثقة والتحدي.

ــ “أهلاً بفرقة التأخير... او كما أحب ان أسميه فريق السلاحف.”

ردّ عليه كينغ بابتسامة:

ــ “وأهلاً بأكبر متأخر في تاريخ المدرسة.”

ضحكاتهم سرعان ما تلاشت حين وصلوا إلى الجسر.

أسفل الجسر، على ضفة النهر، تدحرجت كرة حمراء صغيرة فوق الماء.

كانت هناك طفلة في الخامسة من عمرها، ذات شعر أسود قصير وعينين بنيتين، تحاول اللحاق بالكرة.

لكن قدمها انزلقت فجأة، وسقط جسدها الصغير في الماء البارد.

صرخت بصوت حادّ مزّق سكون الصباح:

ــ “ماما!ااااا أرجوكم ساعدونيييي!”

كان التيار قوياً، والماء يضرب جسدها النحيل، وذراعاها الصغيرتان تضربان سطح الماء بيأس.

شهقت إينو ووضعت يدها على فمها، وقد شحب وجهها:

ــ “يا إلهي… إنها ستغرق!”

صرخ مايك بارتباك:

ــ “ماذا نفعل؟!”

جاك تجمد في مكانه، وهيدان تراجع خطوة إلى الوراء، وكأن الخوف شلّ حركتهما.

لم ينتظر كينغ أكثر، ألقى بحقيبته أرضاً وقفز إلى النهر دون تردد، ارتطام جسده بالماء أحدث صوتاً عالياً تبعه رشاش بارد اخترق جسده حتى العظم.

كانت أنفاسه ثقيلة، لكن عينيه ظلّتا ثابتتين على الطفلة.

صرخت أريانا، وملامحها تمزج بين الغضب والرعب:

ــ “كينغ! لااا توقف!”

الطفلة كانت تتشبث به بقوة، الأمر الذي صعّب عليه الحركة، والتيار يدفعهما بعيداً.

على الجسر، قبض ليو على الحاجز المعدني بقوة حتى ابيضّت مفاصله، وصوت في داخله يصرخ:

ــ “تبا… لا أستطيع تركه يغرق.”

وفجأة، ظهر رجل على الجهة المقابلة من النهر.

كان طويلاً، يرتدي معطفاً أسود طويلاً وقبعة تخفي ملامحه تقريباً، باستثناء عينين بارعتين في الثبات والبرود.

كانت خطواته على الخشب بطيئة، واثقة، كأن الأمر لا يفاجئه.

صرخ ليو بأعلى صوته:

ــ “أيها الرجل! هناك طفلة تغرق! ساعدنا!”

رفع الرجل رأسه قليلاً، تبادل النظرات مع ليو لثوانٍ بدت طويلة جداً، ثم قفز إلى الماء بخفة مريبة، وكأنه مارس هذا مئات المرات.

كانت حركاته في الماء قوية ومنظمة، وصل إليهما بسرعة، أمسك الطفلة أولاً، ثم سحب كينغ إلى الضفة بأمان.

جلس كينغ على الأرض وهو يلهث، الماء يتقطر من شعره وملابسه، بينما كانت الطفلة بين ذراعي أمها، تبكي بشدة والأم تضمها وكأنها تخشى فقدانها مجدداً.

الأم (والدموع في عينيها): “لا أعرف كيف أشكركما...”

كينغ (بابتسامة متعبة): “يكفيني أن أراها بخير.”

بعدها رفع كينغ رأسه فجأة وقال:

ــ “أين الرجل الذي أنقذنا؟ أريد أن أشكره.”

أجاب مايك وهو ينظر حوله:

ــ “غادر قبل قليل… ولم يتفوه بكلمة واحدة.”

بقي صوت النهر يهمس في الخلفية، وكأن اختفاء الرجل لم يكن صدفة.

اقتربت أريانا، وعيناها تحملان غضباً وخوفاً لم تحاول إخفاءهما:

ــ “أأنت مجنون؟ كنت ستموت!”

أجابها كينغ بجدية هادئة:

ــ “كانت ستغرق… لم أكن لأقف مكتوف اليدين.”

ارتفع صوتها وهي تقول:

ــ “وماذا لو مت أنت؟!”

ابتسم بخفة رغم البرد:

ــ “كنت ستحزنين علي، أليس كذلك؟”

أشاحت بوجهها:

ــ “في أحلامك من تظن نفسك حتى احزن عليك”

_"قاطعتهم إينو وهيا تصرخ عليهما"

إينو: “كفى جدالاً، لقد تأخرنا عن المدرسة.”

لكن إينو، كانت تحدق بصمت في المكان الذي اختفى فيه الرجل، وعيناها تضيقان وكأنها تحاول تذكّر شيء:

ــ “ذلك الرجل… رأيته من قبل.”

لكن لم يكن هناك وقت للبحث عن الإجابة، فالمدرسة تنتظر، أما النهر فقد احتفظ بأسراره.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

3

followings

1

followings

2

similar articles