رحلة البحث عن الدفء

رحلة البحث عن الدفء

1 reviews

رحلة البحث عن الدفء

في قلب غابة استوائية تشرق عليها الشمس، حيث تتهامس الأشجار بالأسرار وتزهر الأزهار بكل ألوان قوس قزح، استيقظ فيل صغير يُدعى تشينتو على إدراكٍ مروّع: بطانيته المحبوبة لم تعد موجودة. بحث في كل زاوية وركن من بيته الدافئ، وهو تجويف شجرة كبيرة بباب يصرّ عند فتحه ونافذة تلمع كالألماس، لكن البطانية لم تكن هناك. تدلت أذناه الكبيرتان الكسولتان بحزن، وشعر أن خرطومه الطويل الملتف صار أثقل من المعتاد.

وبينما كان على وشك أن يفقد الأمل، سمع صوتًا لطيفًا خلفه:
ــ "ما بك يا تشينتو؟ تبدو كأنك فقدت آخر حبة رخام لديك!"

لقد كانت روكسي، أرنبة ذكية سريعة الكلام، بعينين بنيتين لامعتين وشعر برتقالي منفوش.

اقتربت روكسي بخفة، تكاد كفّاها لا تلامسان الأرض، وسألت:
ــ "ما الذي فقدته يا صديقي الفيل؟"

تنهد تشينتو قائلاً:
ــ "لقد أضعت بطانيتي المفضلة يا روكسي! إنها ألين وأدفأ بطانية في الغابة كلها، ولا أستطيع النوم من دونها."

لمعت عينا روكسي حماسًا وقالت:
ــ "لا تقلق يا تشينتو! سنجد البطانية سريعًا! لكن أولاً، هيا بنا إلى الأستاذ هووتنانّي، إنه أذكى بومة في الغابة، وسيعرف تمامًا ما يجب فعله."

أشرق وجه تشينتو بالأمل، وتبع روكسي إلى بيت الأستاذ، وهو بيت شجري شاهق تملؤه الكتب والأجهزة الغريبة. وعندما اقتربا، رفع البروفيسور رأسه عن كتابه وحدق فيهما من فوق نظاراته المستديرة الكبيرة.

ــ "آه، تشينتو وروكسي! ما الذي جاء بكما إلى ناحيتي من الغابة؟"

شرحت روكسي الوضع، فأومأ البروفيسور مفكّرًا، وريشه الرمادي الناعم يهتز بخفة.
ــ "أفهم… بطانية مفقودة، إذن؟ إنه لغز يستحق الحل! دعاني أفكر…"

بعد لحظة صمت، قال:
ــ "وجدتها! علينا أن نتبع مسار غروب الشمس، حيث تكثر مخلوقات الغابة نشاطًا. سنسألها إن كانت قد رأت بطانيتك يا تشينتو."

ارتفعت أذنا تشينتو حماسًا لمغامرة قادمة، وانطلق مع روكسي والبروفيسور غربًا، حيث كانت الشمس تغيب خلف الأفق.

وبينما كانوا يمشون، دبت الحياة في الغابة بأصوات صرار الليل والقرود الثرثارة وحفيف الأوراق. قابلوا يرقة نارية ودودة تُدعى تويِنكل عرضت أن تضيء لهم الطريق، وعائلة من الفئران الحقلية التي رافقتهم بالأسئلة والتشجيع. سأل الأصدقاء كل من قابلوه عن البطانية، لكن لم يكن لدى أحد أي خبر عنها.

ومع اقتراب الغروب بلونه البرتقالي الدافئ، وصلوا إلى نهر سريع الجريان، مياهه تتلألأ كالماس.
ــ "كيف سنعبر؟" تساءل تشينتو بقلق، وخرطومه يرتعش.

لمحت روكسي عائلة من القضاعة تلعب في الماء، فنادتهم:
ــ "أيها الأصدقاء! هل تساعدوننا على العبور من دون أن نبتل؟"

سعدت القضاعة بالمساعدة، وحملت المجموعة على ظهورها لتقطع بهم النهر وسط ضحكات ورشات ماء.

على الضفة الأخرى، قابلوا طاووسًا جميلاً، ريشه يلمع في ضوء الغروب.
ــ "مساء الخير أيها الرحّالة، ما الذي جاء بكم إلى هنا؟"

شرح البروفيسور الوضع، ففكر الطاووس ثم قال:
ــ "لم أر البطانية بنفسي، لكن يمكننا سؤال صديقتي السلحفاة الحكيمة، فهي تعرف كل ما يحدث في الغابة."

قادهم الطاووس إلى فسحة حيث كانت السلحفاة تجلس، ودرعها يلمع تحت ضوء القمر. استمعت إليهم بإصغاء، ثم أغمضت عينيها تفكر بعمق. بعد لحظات قالت:
ــ "أتذكر أنني رأيت مجموعة قرود مشاكسة تلعب ببطانية اليوم. كانوا متجهين إلى الشجرة الجوفاء القديمة على التل. لكن احذروا، القرود مخادعة… عليكم أن تكونوا أذكى منهم."

قفز قلب تشينتو فرحًا بقرب العثور على بطانيته، وشكر السلحفاة. أما روكسي فقد بدأت تفكر بخطة للإيقاع بالقرود.

وعندما اقتربوا من الشجرة، سمعوا ضحكات القرود وصخبها في الداخل. همست روكسي:
ــ "الخطة كالآتي: سألهي القرود برقصة وألعاب، بينما يدخل تشينتو والبروفيسور للبحث عن البطانية."

وافق تشينتو، وابتسم البروفيسور بحكمة. خرجت روكسي راقصة أمام القرود، تقوم بحركات مضحكة جذبت أنظارهم كليًا. وفي الداخل، بحث تشينتو والبروفيسور بين كنوز الغابة: أحجار لامعة، ريش ملون، وأصداف براقة. وهناك، وسط الكومة، وجد تشينتو بطانيته المحبوبة! لفها حول كتفيه بفرح غامر، وقلبه يغلي بالدفء.

عاد الصديقان بهدوء، بينما ما زالت روكسي تضحك القرود بحركاتها.

 

وفي طريق العودة، تحت ضوء القمر الفضي، التفت تشينتو إلى أصدقائه قائلاً:
ــ "شكرًا لكما، روكسي والبروفيسور. لا أعرف ماذا كنت سأفعل من دونكما. أنا سعيد جدًا ببطانيتي، ولن أنسى هذه المغامرة أبدًا."

ابتسمت روكسي، عيناها البنيتان تتلألآن بالود، وأومأ البروفيسور برأسه، ريشه الرمادي يهتز بهدوء.

وفي النهاية، عاد تشينتو إلى بيته، التف ببطانيته في سريره الدافئ، وأغمض عينيه مطمئنًا، بينما أصوات الغابة السحرية تحيط به وهو يغفو بسلام. 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

13

followings

2

followings

3

similar articles