نافذة إلى عالم الألوان

نافذة إلى عالم الألوان

0 المراجعات

في أعماق مدينة "زايد" الصاخبة، حيث تتشابك أبراجها الزجاجية مع أزقتها الضيقة، كان "أدهم" يعيش حياةً مرتبة و منظمة. هو رسامٌ مُلهم، لكن لوحاته تظل محبوسةً في مرسمه الضيق، بينما يلاحقه شبحُ الماضي. فقبل سنواتٍ، اختفت شقيقته التوأم "نور" في ظروفٍ غامضة، تاركةً وراءها لغزاً لم تستطع الشرطة فك رموزه ، مما جعل قضيتها تحول ضد مجهول .

كانت "نور" فنانةً مثل أدهم، لكنها كانت تملك شغفاً غريباً بالأساطير القديمة، خاصةً أسطورة "المُتحول" التي تتحدث عن كائنٍ يستطيع التبديل بين الأبعاد. وفي آخر محادثةٍ بينهما، أخبرته بحماسٍ أنها اكتشفت شيئاً مُدهشاً يمكن أن يغير فهم البشر للواقع.

في إحدى الليالي الممطرة، وبينما كان أدهم ينظف مرسمه، سقطت علبةُ ألوانٍ قديمة. لم تكن مجرد علبةٍ عادية، بل كانت العلبة التي صنعتها "نور" بنفسها. عندما فتحها، وجد بداخلها ورقةً مطويةً بإحكام. كانت رسماً غريباً لرمزٍ يتكون من دوائر متداخلة، وبجواره ملاحظة بخط يدها: “اللون هو المفتاح، وليس مجرد صبغة. إنه نبض الحياة الذي يُحرك العوالم.”

لم يفهم أدهم هذه الكلمات حينها، لكنه شعر بأنها مرتبطة باختفائها. بدأ بالنظر إلى لوحات "نور" التي لم يمسها أحد منذ رحيلها. كان كلٌ منها يحمل سراً، فكل ضربة فرشاة كانت تحكي قصةً. لكن كانت هناك لوحةٌ واحدةٌ تثير فضوله بشكلٍ خاص: لوحةٌ لم تكن مُكتملة، تظهر فيها نافذةٌ خالية، بينما بقية اللوحة تزخر بألوانٍ نابضةٍ بالحياة.

قرر أدهم أن يضيف لونه الخاص إلى اللوحة، فمزج الألوان بعنايةٍ، وبدأ في ملء النافذة الفارغة. في لحظةٍ ما، وعندما وضع اللون الأخير، بدأ شيءٌ غريبٌ يحدث. لم تعد الألوان مجرد صبغاتٍ على قماش، بل بدأت تتوهج وتصدر ضوءاً خافتاً. ثم بدأ الضوء بالتحرك، مُكوّناً دوامةً من الألوان أمام اللوحة.

دُفع أدهم بقوةٍ نحو الدوامة، وشعر بأن جسمه يتفكك إلى جزيئاتٍ من الضوء. لم يشعر بالخوف، بل بشعورٍ غريبٍ من الألفة، كأنما يعود إلى مكانٍ كان ينتمي إليه دائماً. عندما فتح عينيه، وجد نفسه في مكانٍ لا يُشبه عالمه ولا مدينته ولا انسانا فيه. كانت الأشجار تُضيء، والأنهار تجري بسائلٍ فضيٍ لامع. لم يكن هناك ألوانٌ طبيعية، بل ألوانٌ حيةٌ تنبض بالطاقة و الحيويه و علامة الحياةو التفائل .

نظر حوله، ووجد "نور" جالسةً تحت شجرةٍ تُشبه قوس قزح، وترسم لوحةً ضخمةً. كان وجهها يُشرق بابتسامةٍ هادئة.

اقترب منها وسألها بحيرةٍ: “أين نحن يا نور؟”

ابتسمت وقالت: “نحن في عالم الألوان يا أدهم. لم أختفِ، بل اكتشفت كيف أُحوّل نفسي إلى لونٍ، وأُسافر عبر الأبعاد. الأسطورة كانت حقيقية، لكنها لم تكن تتحدث عن كائنٍ خارق، بل عن قوة الألوان التي تستطيع أن تُشكل الواقع و تجعل الخيال حقيقة.”

أدرك أدهم حينها أن شقيقته لم تُسجن في هذا العالم، بل اختارته بحرية. لقد هربت من رتابة عالم البشر إلى عالمٍ تُصبح فيه الألوان كائناتٍ حيةً يعبر عن ذاته و مشاعر راسمها ، واللوحات بواباتٍ إلى عوالم لا حصر لها.

سألها: “لماذا لم تخبريني؟”

أجابت "نور" بحنان: “أردتُ أن تكتشف الأمر بنفسك يا أخي. كنتُ أعلم أنك الوحيد الذي سيفهم. أنت رسامٌ مثلي، وعيناك ترى ما لا يراه الآخرون.”

أمسك أدهم يدها، وشعر بنبض الألوان يسري في عروقه. لم يعد يريد العودة إلى عالمه القديم، فقد وجد ضالته. لقد وجد أخته، ووجد عالماً جديداً حيث يمكنه أن يرسم أحلامه، ويُلوّن مستقبلاً كان يظن أنه قد فُقد إلى الأبد.

image about نافذة إلى عالم الألوان
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

0

مقالات مشابة