فيلم Atonement (التكفير) – حين يتحول الخيال إلى خطيئة لا يغفرها العمر

فيلم Atonement (التكفير) – حين يتحول الخيال إلى خطيئة لا يغفرها العمر

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

فيلم Atonement (التكفير)

image about فيلم Atonement (التكفير) – حين يتحول الخيال إلى خطيئة لا يغفرها العمر


يُعد فيلم Atonement أو “التكفير” من أبرز الأعمال السينمائية التي جمعت بين الأدب والدراما في توازنٍ فني نادر. الفيلم من إخراج جو رايت عام 2007، مقتبس عن رواية الكاتب البريطاني إيان ماك إيوان الصادرة عام 2001، ويقدّم تجربة بصرية وفكرية تتناول الذنب، الغفران، والخيال بوصفها عناصر إنسانية متداخلة. يطرح العمل سؤالًا فلسفيًا عميقًا حول الكلمة وتأثيرها: هل يمكن لجملة واحدة أن تغيّر مصير حياة بأكملها؟ وهل يكفي الندم لتصحيح ما أفسده الخيال؟ من هذه النقطة، ينطلق الفيلم في رحلة زمنية تمتد من البراءة إلى الوعي، ومن الحقيقة إلى الوهم.

تبدأ القصة في قصر عائلة تاليس في الريف الإنجليزي عام 1935، حيث تعيش سيسيليا، الابنة الكبرى، في علاقة عاطفية خفية مع روبي تيرنر، ابن خادمة العائلة. على الرغم من اختلاف طبقاتهما الاجتماعية، يجمع بينهما حب صادق لا يعرف التردد. في المقابل، نرى الأخت الصغرى بريوني، فتاة ذات خيال خصب وشخصية حالمة تميل إلى المبالغة في تأويل الأحداث. وعندما تشهد مشهدًا حميميًا بين أختها وروبي، تسيء فهمه تمامًا وتظن أنه اعتداء، لتتحول تلك اللحظة إلى بداية مأساة كبرى. لاحقًا، حين تقع جريمة في القصر، تتهم بريوني روبي ظلمًا، وتؤكد روايتها بشدة حتى يُدان الشاب البريء، فتنكسر حياة الجميع في لحظة واحدة.

بعد مرور سنوات، تندلع الحرب العالمية الثانية، وتُفرّق الظروف بين سيسيليا وروبي إلى الأبد. يخرج روبي من السجن ليُجبر على القتال في الحرب، بينما تعمل سيسيليا ممرضة في لندن محاولةً التمسك ببصيص أمل في لقائه. أما بريوني، وقد أصبحت شابة ناضجة، فتعيش صراعًا نفسيًا عنيفًا مع نفسها، إذ تدرك حجم الخطأ الذي ارتكبته، وتحاول التكفير عنه بالعمل في مجال التمريض وخدمة المصابين. لكنها سرعان ما تعي أن الغفران ليس أمرًا يُنال بالأفعال فقط، بل هو صراع داخلي طويل مع الذاكرة والضمير.

من خلال هذه الحبكة، يكشف الفيلم عن صراع بين الحقيقة والوهم، حيث يتحول الخيال إلى أداة تدمير لا تقل خطرًا عن الحرب نفسها. بريوني، التي حلمت بأن تكون كاتبة، أصبحت سجينة قصتها الخاطئة التي غيّرت مصير الآخرين. وعندما تحاول بعد سنوات إعادة كتابة الحكاية، تمنح أبطالها نهاية سعيدة في روايتها “Atonement” كتكفير رمزي عن ذنبها. لكنها تعلم في قرارة نفسها أن الكتابة لا تُغيّر الماضي، وأن الخيال لا يعيد الموتى إلى الحياة. وهكذا يصبح الأدب مرآة للندم، لا وسيلة للهروب منه، فيتحول الفعل الإبداعي إلى محاولة مستحيلة لاستعادة البراءة المفقودة.

من الناحية الفنية، استخدم المخرج جو رايت لغة سينمائية متقنة جمعت بين الجمال البصري والعمق العاطفي. الألوان والظلال تلعب دورًا رمزيًا في التعبير عن تطور الشخصيات: فالأخضر المشرق في البداية يرمز إلى الحياة والبراءة، بينما يسيطر الرمادي في مراحل الحرب، دلالةً على الوجع والخذلان. مشهد الشاطئ في "دنكيرك" يُعد من أكثر المشاهد تميزًا في تاريخ السينما البريطانية، لما يحمله من حسّ تعبيري يصور عبث الحرب وفقدان الأمل. أما الموسيقى التي ألفها داريو ماريانيللي، والتي فازت بجائزة الأوسكار، فقد استخدمت صوت الآلة الكاتبة كعنصر إيقاعي يرمز إلى ذنب بريوني، ويجعل الإيقاع ذاته تذكيرًا دائمًا بخطئها الأدبي والإنساني.

يُختتم الفيلم بنهاية مؤثرة تكشف أن النهاية السعيدة التي شاهدناها لم تحدث أبدًا، وأن كل ما روته بريوني كان من نسج خيالها في محاولة أخيرة للغفران. لقد مات روبي وسيسيليا في الحرب، ولم يلتقيا ثانية، لتبقى روايتها وهمًا أدبيًا يرمز إلى رغبتها في محو ذنبها. هذه النهاية تفتح الباب أمام تساؤلات وجودية حول طبيعة الأدب ودوره في مواجهة الحقيقة: هل الكتابة فعل خلاص أم وسيلة للهروب؟ وهل يمكن للخيال أن يُطهّر النفس من الذنب؟ في النهاية، يظل Atonement فيلمًا عن الإنسان في صراعه الأبدي مع نفسه، عن الكلمة التي تبني وتهدم، وعن الغفران الذي قد لا يأتي أبدًا، لكنه يظل حلمًا يرافقنا حتى آخر العمر.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
esraa Ahmed تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.