الاستيطان البشري القديم في شبه الجزيرة العربية: دراسة حالة الخليج العربي وسلطنة عُمان

الاستيطان البشري القديم في شبه الجزيرة العربية: دراسة حالة الخليج العربي وسلطنة عُمان

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الاستيطان البشري القديم في شبه الجزيرة العربية: دراسة حالة الخليج العربي وسلطنة عُمان

لقد أدهش أورفيوس تلال مقدونيا أقل من ذي قبل، وذلك لأنه غنى الآن مردداً كيف تجمعت مرة في الفضاء الرحيب بذور الأشياء كلها في الأرض والهواء والبحر والنار، حتى نمت معاً، إلى أن تشكل العالم الكروي  الفتى، ومن ثم كيف أصبحت الأرض اليابسة منفصلة، كما حبست المياه العريضة تدريجياً في كأس البحر.

لقد أدهش أورفيوس تلال مقدونيا أقل من ذي قبل، وذلك لأنه غنى الآن مردداً كيف تجمعت مرة في الفضاء الرحيب بذور الأشياء كلها في الأرض والهواء والبحر والنار، حتى نمت معاً، إلى أن تشكل العالم الكروي  الفتى، ومن ثم كيف أصبحت الأرض اليابسة منفصلة، كما حبست المياه العريضة تدريجياً في كأس البحر.

إن الكتل الأرضية لشمال إفريقيا والجزيرة العربية وفارس كما نعرفها اليوم أخذت شكلها الحاضر من العصر الميوسيني، إلا أنه حدث في هذه الفترة من تاريخ الأرض أن اتصلت منطقة البحر الأحمر المنهارة بالبحر الأبيض المتوسط على نحو ما هي عليه في الوقت الحاضر.

وفي بدء فترة العصر البليوسيني التي انتهت منذ ما يقارب من نصف مليون سنة، انفصل حوض البحر الأحمر عن المتوسط وداهمته مياه المحيط الهندي . وفي منتصف العصر البليوسيني كان هناك خليج في المنطقة البحرية التي يمثلها الآن البحر المتوسط ، ما زال يمتد حتى صحراء تدمر. وفي أوائل الجزء الأول من العصر الميوسيني كان البحر الأبيض المتوسط العظيم (خلال عملية التكوين) مستمراً في كل الحزام الجبلي الحالي (كردستان جنوبي فارس). ثم تلا ذلك انسحاب واضح للبحر، فتكونت على الأثر ترسبات ضخمة من الملح والجبس في أهوار منعزلة. وفي منتصف العصر الميوسيني تقدم البحر ثانية واحتل جزءا كبيرا من امتداده السابق ولكن قبيل نهاية العصر المذكور اعترض الاتصال أخيراً ما بين المتوسط والمحيط الهندي.

كان الخليج في أوائل العصر البليوسيني مقصورا على قطاع ضيق على محاذاة السهل الساحلي الحالي لفارس ولكنه يمتد إلى لارستان فقط.

وإلى الشمال الغربي على محاذاة الحزام الحالي لقاعدة الجبل كانت هذه المنطقة المنخفضة تتميز بكميات كبيرة من الماء العذب وبحيرت الماء متوسط الملوحة، حيث تترسب سلاسل وكتل البختياري الرملية في مكان واحد إلى سمك 150000 قدم، وذلك دليل على العمق العمودي لهذه المنخفضات.

حدثت حركات الطمى القوية التي كونت سلاسل جبال زاغروس العظيمة خلال العصر البليوسيني بوجه خاص، حيث بلغت قوتها الأوج نحو نهاية العصر. وكنتيجة للضغط الذي جاء من الشمال الشرقي، فقد أزيحت المنطقة المنخفضة من بحيرات البختياري إلى الجنوب الغربي مكونة الخليج الحالي وأرض ميسوبوتاميا العظيمة الغائرة. ومن الناحية الأخرى كانت الأرض العربية الداخلة في البحر، عبارة عن كتلة صلبة مستقرة تكاد تكون بكليتها غير منزعجة بفعل موجات الطمى الفارسي. ولكن عمان تستثنى من هذه القاعدة، فهي عبارة عن عنصر أجنبي في تركيب الجزيرة العربية فقد طويت بشدة في منتصف العهد الطباشيري، مع أن ارتفاعها العظيم قد حدث فيما بعد.

نتج عن الضغط الهائل الذي سببته عمليات بناء الجبال هذه ظاهرة ثانوية تدعو إلى الدهشة في منطقة الخليج.

وفي العصر الكاميرياني (وهو العصر  الجيولوجي الأقدم الذي تعرف منه الحياة) تكون ترسب كثيف من الملح، بقي طيلة الأجيال التالية مدفوناً في الصخور. والملح تحت الضغط مرن نوعا ما ويمكنه أن يجري كما يجري الجليد في النهر الجليدي . وقد أدى ضغط حركات بناء الجبال إلى دفع هذا الملح من مستقره في أحشاء الأرض فوصل إلى السطح في أماكن عدة، على شكل أحواض إسطوانية ذات قطر من أربعة إلى ستة أميال . وتعتبر جزر هرمز وهانجام ولاراك وأبو موسى وكثير غيرها من هذا الطراز من الأحواض المالحة، بينما تكونت على الأرض الرئيسية جبال ملحية عظيمة من ارتفاع 4000 قدم مثل كوهي ناماك في داشتستان وفي لارستان. أما الصخور البركانية والحديد والنحاس الخام وغيرها من الصخور وهي المعتبرة دخيلة على هذا الجزء من فارس، فإنها عينات من الطبقات الدنيا التي رباها الملح وهو في ثورته.

بينما كانت هذه الأحداث تقع في جنوب غربي فارس، كان هناك نشاط بركاني عظيم في أواسط فارس وجزيرة العرب. ولربما استمرت عملية اندفاعات عظيمة للبانسالت (الحجر الناري) طيلة العصر الجليدي الأخير (البليستوسيني) وحتى إلى العصور التاريخية من دمشق إلى مكة في منطقة تتميز هذه الأيام بوجود صفائح عظيمة من المقذوفات البركانية يعرفها العرب باسم الحرة تتناثر هنا وهناك.

وإذاكان الإنسان الأول قد وجد في منطقة الخليج (وأنه ليس من المحتمل أن تكون الشطآن الدافئة المضيافة حول القارة العربية غير مأهولة بالسكان في الوقت الذي كانت جبال الجزيرة العربية مأهولة) فإن بقاياه في الغالب قد انطمرت نتيجة الترسبات البحرية والنهرية المتعاقبة، أو أنها دفنت في أعماق الغرين، لأنه ما من بقايا أو آثار للإنسان الأول قبل فترة ما بعد العصر الحجري الجديد، قد وجدت بعد. ولكنها مع ذلك قد تكتشف ، لأنه على الرغم من أن الأدوات الصوانية التي جمعت في بلجيكا من الترسبات الميوسينية لم تقبل بعد بوجه عام على هذا النحو، فإن تلك المأخوذة من الحصى المتراكم على طول جانبي النيل الحالي أكدت الأمر أكثر، فهذه الأدوات Chellean implements. التي ترجع بتاريخها إلى بعد العصر الثاني أو الثالث الجليدي ( حوالي 400000 إلى 100000 قبل الميلاد) قد وجدت على السطح في إيران وشبه جزيرة العرب.

وعلى كل حال ليس هناك دليل على أن إنسان العصر الحجري قد وجد في كلدية أو سوسيانا فإن الأدوات المصنوعة من الحجر المصقول التي وجدت في سوسة وبوشهر، لا يمكن أن تنسب جدياً إلى فترة أقدم من تلك التي تلت العصر الجليدي الجديد.

ويمكن القول أنه ربما لم يكن هناك أبداً عصر حجري على سواحل المحيط الهندي وامتداداته. يزعم بعض الكتاب أن عصراً خشبياً وآخر صدفياً قد سبقا العصر الحجري الأول. وهنا إذا صح القول، قد يكون الإنسان الأوول قد استعمل الأصداف الماضية والأخشاب المقساة من أجل احتياجاته، وقد يكون من المحتمل أن تلك الأدوات قد استعملت إلى الحد الذي استبعد معه الحديد والصخر حتى العصور التاريخية. ودليل ذلك أن نيرشوس حينما أبحر في الخليج العربي في سنة 325 ق. م. وجد قبائل الساحل البلوشستاني لا حديد لديها ولا ملابس سوى الجلود.

يقول آريان Arrianوهو يكتب عن القبائل ما بين كراتشي وأرمارا الحديثة.

" كانت لهم رماح طول الواحد منها ستة أذرع ولكن أطرافها لم تكن من الحديد وإنما كانت من الخشب المبرى والمقسى في النار، فلم يكن لديهم حديد. كما أن ملابسهم كانت من جلود الحيوانات الوحشية أو جلود الأسماك الكبرى. وقد وجد الذين أخذوا ذوي شعور طويلة تغطى كل أجسادهم تماما، وتغطى رؤوسهم كما وجد لهم أظافر طويلة حادة أشبه بمخالب الحيوانات المتوحشة".

من المحتمل أن هذه هي صورة منصفة لطراز حياة الإنسان الأول في هذه المنطقة من أقدم العصور وأنها ما زالت مستمرة في بعض الحالات حتى الوقت الحاضر.

المرجع:

الخليج العربي(مجمل تاريخي من أقدم الأزمنة حتى أوائل القرن العشرين)، ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع، بقلم السير أرنولدت. ويلسون، الناشر مكتبة الأمل ، الكويت ، السالمية.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

865

متابعهم

612

متابعهم

6672

مقالات مشابة
-