الفاتح الذى لم يعرف المستحيل

الفاتح الذى لم يعرف المستحيل

تقييم 5 من 5.
2 المراجعات

 الأكبر: الفاتح الذي لم يعرف المستحيل

البدايات والنشأة

وُلد الإسكندر الثالث المقدوني، المعروف باسم الإسكندر الأكبر، في مدينة بيلا عاصمة مقدونيا سنة 356 قبل الميلاد. كان والده الملك فيليب الثاني، أحد أعظم القادة العسكريين في التاريخ الإغريقي، ووالدته الملكة أوليمبياس التي زرعت في قلبه الطموح والإيمان بأنه مُقدر له أن يكون ملكًا عظيمًا. تلقّى الإسكندر تعليمه على يد الفيلسوف الشهير أرسطو، الذي علّمه الفلسفة والعلوم والسياسة والأدب، مما كوّن شخصيته المزدوجة: المحارب المثقف، والقائد المفكر.

الطريق إلى العرش

بعد اغتيال الملك فيليب الثاني سنة 336 ق.م، تولى الإسكندر العرش وهو في العشرين من عمره فقط. ورغم صغر سنه، أثبت بسرعة أنه يمتلك شخصية قيادية فذة. قمع الثورات التي اندلعت في المدن الإغريقية ضد حكم مقدونيا، وأعاد توحيد اليونان تحت سلطته، استعدادًا لتحقيق حلم والده القديم: غزو الإمبراطورية الفارسية.

حملاته العسكرية وانتصاراته

بدأ الإسكندر حملاته الكبرى سنة 334 ق.م عندما عبر مضيق الدردنيل إلى آسيا الصغرى. خاض أولى معاركه ضد الفرس في معركة غرانيكوس وحقق انتصارًا ساحقًا. ثم واصل تقدمه فهزم الملك الفارسي دارا الثالث في معركة إيسوس، وحرر العديد من المدن الإغريقية الواقعة تحت النفوذ الفارسي.

في طريقه نحو الجنوب، فتح مدينة صور بعد حصار دام سبعة أشهر، ثم دخل مصر دون قتال، حيث استقبله المصريون كمحرر من الاحتلال الفارسي. وهناك أسس مدينة الإسكندرية عام 331 ق.م، التي أصبحت لاحقًا منارة للعلم والحضارة.

ذروة المجد وسقوط فارس

بعد مغادرته مصر، واصل الإسكندر زحفه نحو الشرق، فهزم دارا الثالث مرة أخرى في معركة غوغميلا، وهي المعركة التي أنهت الإمبراطورية الفارسية تمامًا. دخل العاصمة الفارسية برسبوليس، وأحرق قصرها الشهير في مشهد رمزي لانتصار الغرب على الشرق.

لم يكتفِ الإسكندر بما حققه، بل واصل حملاته حتى وصل إلى حدود الهند، حيث واجه قبائل شرسة في معركة نهر هيداسبس سنة 326 ق.م. ورغم انتصاره، أرهقت حروبه الطويلة جنوده، فرفضوا متابعة المسير نحو الشرق، واضطر الإسكندر إلى العودة غربًا.

النهاية المأساوية

عاد الإسكندر إلى بابل سنة 323 ق.م بعد أكثر من عشر سنوات من الفتوحات المتواصلة. كان في أوج مجده، لكنه كان مرهقًا ومريضًا. لم يمض وقت طويل حتى أصيب بحمى غامضة، وتوفي عن عمر ناهز 32 عامًا فقط، تاركًا وراءه إمبراطورية تمتد من اليونان إلى الهند.

أثار موته المفاجئ صراعًا دمويًا بين قادته، فتمزقت الإمبراطورية التي بناها خلال سنوات قليلة، إلا أن إرثه ظل خالدًا في التاريخ.

إرث الإسكندر وتأثيره

كان الإسكندر الأكبر أكثر من مجرد قائد عسكري؛ فقد نشر الثقافة الإغريقية في مناطق واسعة من العالم، مؤسسًا لما يُعرف بـ"العصر الهلنستي"، الذي شهد تزاوجًا بين الحضارة اليونانية والشرقية. كما ترك أثرًا عميقًا في الفكر والفن والسياسة والعمران.

حتى يومنا هذا، لا يزال الإسكندر رمزًا للطموح والشجاعة والقيادة، ورمزًا لرجلٍ سعى لتوحيد العالم تحت راية واحدة، فخلّد اسمه في ذاكرة البشرية إلى الأبد.

✍️ عن الكاتب

يوسف عبدالخالق — كاتب مقالات في موقع "أموالي"، يهتم بالتاريخ والثقافة والقصص القديمة التي تلهم الحاضر. يسعى من خلال مقالاته إلى إحياء القصص التي صنعت مجد الحضارات، وتقديمها بأسلوب سهل يجذب القرّاء ويغذي عقولهم بالمعرفة.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

3

متابعهم

13

مقالات مشابة
-