نفرتيتي … الملكة التي أضاءت بلاط مصر
نفرتيتي … الملكة التي أضاءت بلاط مصر

في قلب الحضارة المصرية القديمة، حيث تلتقي الرمال الذهبية بأشعة الشمس الساطعة، وُلدت قصة واحدة من أعظم النساء في التاريخ — الملكة نفرتيتي، سيدة الجمال الغامضة التي أسرَت القلوب بعينيها الساحرتين وحضورها المهيب. كانت نفرتيتي أكثر من مجرد ملكة؛ كانت رمزًا للجمال والحكمة والقوة في زمنٍ لم يكن يُسمح فيه للنساء إلا بالجلوس في الظل.
عاشت نفرتيتي في قصر فخم بمدينة أخيتاتون، بجانب زوجها الملك إخناتون، الفرعون الذي تحدّى المعتقدات القديمة وغيّر وجه الديانة المصرية. لم تكن زوجته مجرد رفيقة ملك، بل كانت شريكته في الحكم والرؤية، تؤمن معه بأن الإله الواحد "آتون" هو مصدر الحياة والنور. كانت تقف إلى جواره في الطقوس الدينية، ترفع يديها للشمس كما يفعل هو، في مشهد يجمع بين القوة والجمال والقداسة.
اشتهرت نفرتيتي بجمالها الذي فاق الخيال. كان وجهها يحمل توازنًا مدهشًا بين الرقة والهيبة، عيناها اللتان تنظران بثقة وهدوء، وأنفها الدقيق وابتسامتها الغامضة التي تخفي وراءها أسرارًا كثيرة. تمثالها الشهير في متحف برلين اليوم ما زال يجذب ملايين الزوار، وكأنها ما زالت تنظر إليهم من عالم آخر، تخبرهم بأن الجمال الحقيقي لا يزول مهما مرّ الزمن.
لكن جمال نفرتيتي لم يكن في ملامحها فقط، بل في شخصيتها القوية وقدرتها على القيادة. كانت تشارك إخناتون في اتخاذ القرارات الكبرى، وتظهر في النقوش بنفس حجم الملك ومكانته، وهو أمر نادر في التاريخ المصري. بل إن بعض العلماء يعتقدون أنها تولت الحكم بعد موته لفترة قصيرة، تحت اسم ملكي جديد، لتصبح من أوائل النساء اللاتي حكمن مصر بشكل فعلي.
ورغم هذا المجد، انتهت قصة نفرتيتي بغموض كبير. فبعد سنوات من الظهور في النقوش والمعابد، اختفت فجأة من التاريخ. لا أحد يعرف أين دُفنت، ولا كيف انتهت حياتها. هذا اللغز جعلها أكثر سحرًا، وكأنها أرادت أن تترك وراءها علامة استفهام أبدية تزيد من جمال أسطورتها.
مرت آلاف السنين، وما زال اسمها يتردد كرمز للجمال والقوة والإلهام. كل تمثال وكل نقش عنها يحكي قصة امرأة تحدّت الزمن، ووقفت بجانب أقوى ملوك مصر، وسجّلت اسمها بحروف من ذهب في ذاكرة التاريخ. كانت نفرتيتي وستظل سيدة تتحدث عنها الحضارة إلى الأبد.