أحلام تُنتَزع من الظلام

أحلام تُنتَزع من الظلام

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الفصل الأول: البداية الباردة

image about أحلام تُنتَزع من الظلام

1- الاستيقاظ البطئ:  

انفتحت عينا يوسف على صوت قطرات المطر المتساقطة من سقف الغرفة الصدئ، حيث تشقّقت الطبقة الرقيقة من الصفيح فوق رأسه. تحركت عيناه ببطء نحو ساعة الحائط المكسورة التي توقفت عند الرابعة صباحًا منذ ثلاثة أعوام. لم يكن يحتاج إلى ساعة ليَعرف أن الوقت قد تجاوز الخامسة، فأصوات أبواق السيارات في الشارع الضيق بدأت تتصاعد، ورائحة الخبز المحروق من الفرن الشعبي المجاور تسللت من تحت الباب الخشبي المتآكل.

رفع يوسف غطاء البطانية الممزقة بيديه المرتعشتين من البرد، وحاول أن لا يوقظ أخته "سمية" التي كانت تنام بجواره على فرشة من القشّ مغطاة بقطعة قماش بالية. نظر إلى زاوية الغرفة حيث كانت أمه "فاطمة" تتقلب على سرير الحديد الذي صرّخ بأعلى صوته كلما تحركت. كانت تُحاول كتم سعالها الدموي كي لا تزعجهم.

قام يوسف بحركة بطيئة، ووضع قدميه العاريتين على الأرضية الإسمنتية الرطبة. أمسك إبريق الماء البلاستيكي المُتشقق، وصبّ منه كمية قليلة في كوب زجاجي مكسور الحافة. 

شرب ببطء، ثم سكب الباقي على يديه ليغسلهما. لم يكن هناك صابون، فقد انتهى منذ أسبوعين، ولم يتبق سوى رائحة الزيت القديم العالقة بين أصابعه من عمله في المقهى.

فتح خزانة الطعام (وهي علبة كرتونية كبيرة مكتوب عليها "أرز أمريكي")، وأخرج منها ثلاث أرغفه قسمها كالآتي: واحد وضعه أمام أخته النائمة، وآخر أمام أمه، والثالث لفه في جيب سترته الممزقة ليأكلها في الطريق.

خرج يوسف إلى الحارة الضيقة حيث تجمعت برك المياه الآسنة بين الحفر. كان الهواء البارد يلسع وجهه، وأحذيته المثقوبة تسمح للماء بالتسرب إلى جواربه. مرّ أمام بائع الفول الصباحي الذي كان ينادي قائلا : "بخمسة جنيهات فقط!"، لكن يوسف لم يملك سوى جنيه واحد مدّخر في جيبه الخلفي.

سار بين الحارات المتشابكة، متجنبًا كلب الشارع الهزيل الذي يعرفه جيدًا. وصل أخيرًا إلى مقهى "عم حسين"، حيث كانت الطاولات البلاستيكية مُتراكمة خارجًا، ورائحة الشيشة الكريهة تملأ المكان. رأى "عم حسين" واقفًا بوجهه العابس، يمسك المكنسة ويضربها على الأرض غاضبًا: "متأخر تاني يا يوسف! لو ما جيتش في معادك تاني هاطردك!"

2- العمل اليومي الرتيب:

بدأ يوسف عمله اليومي:

كنس الأرضية المُغطاة بـ قشور دوار الشمس وأعقاب السجائر.

غسل الأكواب الزجاجية في حوض مائي بارد، حيث تطفو فوقه بقايا الشاي مثل حشرات ميتة.

ترتيب الطاولات التي عليها بقع الحلاوة الطحينية الجافة.

3- مفاجأة غريبة:

بينما كان ينحني لالتقاط ورقة نقدية مزيفة مُلقاة تحت الطاولة (كان أحد الزبائن يخدع بها الداينين)، سمع حديثًا بين طالبين جامعيين يجلسان في الزاوية:

الطالب الأول:  "سمعت إن مدرسة النخبة بتبدأ مسابقة المنح للحاصلين على الإعدادية عشان يلتحقوا بالجامعة الأهلية المصرية (جامعة القاهرة) الأسبوع الجاي؟"

الطالب الثاني: "آه، بس المنافسة هتكون شديدة، وبيختاروا بس 5 طلاب من كل المحافظة!"

رفع يوسف رأسه ببطء، وعينا تومض لأول مرة منذ شهور.

في استراحته القصيرة (خمس دقائق فقط)، تسلل يوسف إلى المرحاض المتسخ في المقهى،  واشترى جريدة لكي يعلم ما هي شروط المسابقة

 ونصت شروط المسابقة على الآتي :                     

 - ألا يزيد عمر المتقدم عن 18 عام                                                                                                           

- حصول المتقدم على الشهادة الإعدادية بدرجات عليا بنسبة أكبر من 80 % 

- حصول المتقدم على الدرجات النهائية في الشهادة الإعدادية لمواد الرياضيات , والعلوم , واللغة الإنجليزية                                                     

- يقدم الطالب نسخ من شهادة الميلاد , وبيان درجات نجاحه في الإعدادية.

فترك يوسف الجريدة وذهب إلى عمله مجددا .                                                                                                                                                                                                                                                    وفي فترة الإستراحة , أخرج يوسف من جيبه ورقة مكتوب عليها "مسائل رياضيات" كان قد وجدها في سلة المهملات منذ أشهر. بدأ يحلّ المسألة الأولى بقلم رصاص قصير، بينما كانت أصوات الزبائن الصاخبة تتداخل مع صراخ عم حسين: "يا يوسف! فينك يا غبي؟!"                                                          

لكن يوسف، لأول مرة منذ سنوات، لم يسمعه.                                                                                                                                                                                                                                                    فذهب عم حسين إلى حمام المقهي ليجد يوسف يقوم بالكتابة وحل المسائل فقام بنهره وضربه ضرباً مبرحاً على يده وظهره وصاح فيه قائلا: "قوم يا زفت شوف شغلك , وإلا هطردك". فذهب يوسف لإكمال عمله وهو حزين وبائس على حاله 

4- نهاية اليوم والحلم :

بنهاية اليوم عاد يوسف من عمله متوجها إلي بيته حاملا علبة فول وبضع من أرغفة العيش لوالدته وأخته (سمية) ليتناولوا طعام العشاء وقامت اخته بتجهيز (الطبلية ) وحدّثَ يوسف أمه بما سمعه من كلام الشابين اللذان كانا يجلسين على القهوة فقالت له أمه : "روح يا ابني , ربنا يكتبلك اللي فيه الخير ". نامت أمه وأخته علي السرير المتهالك القديم البالي بعد أن تناولوا العشاء ونام يوسف على دكه متهالكة منذ زمن وهو يردد في خاطره ويقول : "لازم أحاول عشان خاطرك يا أمي , إنتي وأختي . لازم أوفرلكم حياة كريمة وربنا يعيني ويقدرني على كده. أنتم تعبانين وعاوز أريحكم "     

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
محمد علام تقييم 5 من 5.
المقالات

14

متابعهم

10

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.