عندما عهد لي والدي  بشجرة: رحلة النضج والمسؤولية

عندما عهد لي والدي بشجرة: رحلة النضج والمسؤولية

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

​نص المقال:

​في أحد الليالي الهادئة، قطع صوت والدي سكون غرفتي قائلاً بجدية لم أعهدها: يا ولدي، لقد بلغتَ العشرين وأصبحت أهلاً للمسؤولية، فعليك الاستعداد ليوم الغد، فإني نويت أن أكلفك بمهمة كبيرة.

​تلك الكلمات كانت كافية لطرد النوم من عيني، وبقيت أتقلب في فراشي، وتساؤلات القلق تعبث بفكري حتى صليت الفجر. لم تغفُ عيناي إلا قليلاً، لتوقظني بعدها حرارة الشمس اللافحة، معلنةً أنها العاشرة صباحاً!

​لقد آن الموعد، وقد تأخرت. ارتديت ثيابي على عجل وخرجت أبحث عن والدي، فوجدته ينتظرني في السيارة وملامح العتاب تكسو وجهه. قال بحزم: لقد أخرتني.. اصعد بسرعة.

​انطلقنا، وكان الصمت سيد الموقف. من لحظة الانطلاق حتى الوصول لم ينبس أحدنا بكلمة. كانت الأسئلة تتزاحم في رأسي، وكلما هممت بطرح سؤال، كانت نظرات والدي الصارمة تجبرني على التراجع، فينعقد لساني.

​توقفت السيارة فجأة، وقال أبي: انزل.

نزلتُ فإذا بي أمام بستان شاسع، عُلقت على بابه لوحة عتيقة كُتب عليها: "بستان الإنجاز". أشار والدي بيده: اتبعني، فتبعت خطاه إلى الداخل.

image about عندما عهد لي والدي  بشجرة: رحلة النضج والمسؤولية

​كان البستان جنة غناء، رأيتُ الأشجار بكل أنواعها: رمان، جوافة، وتفاح. سال لعابي وتوقفت لقطف فاكهة أداعب بها لساني، وبينما كنت غارقاً في حيرتي بين الرمان والجوافة، قطع والدي أفكاري بصياح: ماذا تفعل هناك ياولد؟ اتبعني بسرعة!.

​هرولت خلفه وأنا ألتفت يميناً وشمالاً، مدهوشاً بجمال تلك الأشجار وتناسقها، وفجأة، اصطدمت بظهر والدي الذي توقف بغتة متسمراً في مكانه نظرتُ إلى ما ينظر إليه، فإذا بنا أمام ثلاث شجرات مانجو.

​كانت الشجرة الأولى عملاقة، تتدلى أغصانها من ثقل الثمار التي افترشت الأرض حولها لكثرتها. التقطتُ حبة منها وأكلتها، كانت حلاوتها لا توصف، سكر خالص يذوب في الفم شجعتني لذتها على التهامها بالكامل.

نظرتُ بعدها إلى الشجرة الثانية، كانت مليئة بالثمار أيضاً لكنها ليست بهيبة وضخامة الأولى أخذت حبة منها والتهمتها ظاناً أنها ستنافس الأولى في حلاوتها، لكنني خُذلت قليلاً؛ كانت حلوة المذاق، لكنها لم تصل لمستوى روعة الأولى.

أما الشجرة الثالثة والأخيرة، فلم أرَ فيها ثماراً قط، وكانت صغيرة الحجم مقارنة بسابقتيها.

​هنا، تنفس والدي الصعداء وتحدث أخيراً كاشفاً السر:

"أما الشجرة الأولى، فهي شجرة أعطاها جدي لوالدي -حفظهما الله- عندما كان في مثل عمرك (عشرين عاماً)، وقال له: هذه شجرتك وقد اعتنيتُ أنا بها طوال عشرين سنة، فاعتِنِ بها أنت من الآن. فحافظ عليها والدي حتى أصبحت كما تراها الآن شامخة ومعطاءة.

​وأما الشجرة الثانية، فقد تسلمتها أنا من والدي وأنا في مثل عمرك، وأوصاني بها خيراً، فاعتنيت بها حتى صارت كما ترى، وستكون -بإذن الله- كشجرة جدك مع مرور الوقت.

​والآن، حان دوري لأسلمك شجرتك (الشجرة الثالثة). لقد رعيتها لك طوال عشرين سنة، وأنت اليوم أهلٌ للمسؤولية. فهل ستعتني بها لتجعلها كشجرة أبيك وجدك؟ أم ستهملها فتفسد؟ الله وحده يعلم، وهذا ما ستحدده أنت بجهدك".

 

​ختم والدي حديثه قائلاً وهو يربت على كتفي:

"إن أثبتَّ رعايتك لها طوال هذا الشهر، ستجني أولى ثمارها. فشمِّر عن ساعديك، وخذ الأدوات اللازمة، وثق بالله أولاً ثم بنفسك، وستنجح حتماً ".    

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
خالد وليد هزاع تقييم 0 من 5.
المقالات

2

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.