سنوسرت الثالث: الفراعنة العظام في المملكة الوسطى

سنوسرت الثالث:من الملك التاريخي  إلي الأسطورة المصرية

خاكاعرع سنوسرت الثالث، عُرف أيضًا بسنوسرت الثالث، أو شهرته سنوسرت الثالث في الكتابات الهلنستية. كان أحد الفراعنة الأكثر أهمية في مصر القديمة. حكم خلال الأسرة الثانية عشرة في المملكة الوسطى ما بين 1839 ق.م و1808 ق.م. حكم سنوسرت الثالث تميّز بالعصر الذهبي، والاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، والقوة العسكرية، تاركًا خلفه إرثًا مستمرًا. شهدت قيادته توسعًا إقليميًا واسعًا، وإصلاحات إدارية، ومشاريع إنشاء ضخمة قوّت مكانة مصر داخليًا وخارجيًا.

الأسرة والسلالة

 

كان سنوسرت الثالث ابن الفرعون سنوسرت الثاني والملكة نفرحوتب الأولى، المعروفة بالكبيرة. خلف والده وتزوج العديد من الملكات، ومنهن نفرحوتب الأولى والثانية، إيتاكيت، ونفرت جنوت. لعبت هذه الملكات دورًا احتفاليًا وعائليًا، ويتضح ذلك من أماكن دفنهن بالقرب من مجمعه الهرمي في دهشور. كان لديه العديد من البنات، ومنهن: ستّ حاتحور، منيت، ستت، سيتي، سي… مررت (غير مؤكدة). ومع ذلك تبقى علاقاتهم الدقيقة غير مؤكدة بسبب الأدلة المحدودة. الخلف الأكثر بروزًا كان أمنمحات الثالث الذي ربما كان حاكمًا مشاركًا معه لجزء من حكمه. غياب ورثة ذكور آخرين يسلط الضوء على دور أمنمحات في استمرار السلالة.

الحكم والعهد

حكم سنوسرت الثالث بعد ذروة المملكة الوسطى. قام بمركزة السلطة بتقليل قوة حكّام الأقاليم المهمّين، منهياً فعليًا استقلالهم. هذه الإصلاحات عززت السلطة الملكية وسمحت له بالإشراف على موارد مصر وإدارتها بشكل أكثر فعالية. حكمه المحلي قلّل من الاستقلال الإقليمي لصالح النمو الاقتصادي والتركيز على سلطة الحكومة المركزية. ومن خلال الحدّ من استقلال الحكّام، أسس سنوسرت الثالث دولة موحدة وخاضعة للرقابة، مما وضع سابقة للحكام المستقبليين.

الحملات العسكرية

كان سنوسرت الثالث معروفًا بقيادته العسكرية، وخاصة حملاته في النوبة. ما بين 1869 ق.م و1863 ق.م شنّ على الأقل أربع حملات عسكرية في النوبة لتأمين الطرق التجارية، ومناجم الذهب، والموارد الطبيعية. أثمرت حملاته حدودًا جنوبية واضحة ومعزّزة للهيمنة المصرية في المنطقة. شيد حصونًا ضخمة على طول نهر النيل، ومنها: بوهين، سمنة، أورونارتي. كانت هذه الحصون مواقع عسكرية ضمنت حدود مصر من الغزوات النوبية. لوحة سمنة المنقوشة من السنة 16 الملكية سجلت إعلانًا للحدود، محذرًا خلفاءه بالحفاظ عليها والدفاع عنها. امتد نفوذ سنوسرت الثالث إلى كنعان، وسجلت لوحة سبيل خو ذلك. هذه القطعة الأثرية تصف حملة ربما وصلت إلى سكميم وربما شكيم وأخضعت "رتينو" اليائسة. مصطلح "رتينو" يُستخدم للشام، وهذه الحملات كانت من أوائل التوغلات المصرية نحو الشرق الأدنى.

المساهمات الاقتصادية والتجارية

ساهمت الجهود العسكرية لسنوسرت الثالث مباشرة في الازدهار الاقتصادي بحماية الطرق والموارد التجارية الحيوية. كفلت حملاته في النوبة الوصول إلى الذهب، والعاج، والسلع الثمينة الأخرى، التي تدفقت إلى مصر، مما أدى إلى تغذية النمو الاقتصادي. بالإضافة إلى الجهود العسكرية، سهّل سنوسرت الثالث تطهير قناة صالحة للملاحة عبر الشلال الأول لنهر النيل، مما طور النقل والتجارة بين مصر والنوبة. كانت هذه القناة منفصلة عن "قناة الفراعنة"، وهو مشروع غير مكتمل مرتبط بالتجارة مع البحر الأحمر. هذه المبادرات الاقتصادية عزّزت ثروة مصر واستقرارها، مما ضمن أن الموارد يمكن إدارتها ضمن سلطة مركزية فعّالة.

الإنجازات المعمارية

شهد عهد سنوسرت الثالث مساهمات معمارية كبيرة تعكس عظمته والتزامه الديني. أبرز أعماله كان مجمّع الهرم في دهشور، والذي جسد الابتكار الهندسي وضخامته. يبلغ قياس الهرم تقريبًا 105 أمتار وارتفاعه 118 مترًا، ومحاط بالطوب اللبن والحجر الرملي. مواقع الدفن بالهرم وبعضها احتفظ بمجوهرات من مقبرة الأميرة مررت. بالإضافة إلى ذلك، كلف سنوسرت الثالث ببناء مجمّع جنائزي في أبيدوس، واقترح أنه ربما امتلك مكان دفن منفصل هناك. امتدت مقبرة أبيدوس 30 مترًا تحت الأرض وارتبطت رمزيًا مع أوزوريس إله الحياة الأخرى. أصبح هذا المجمع مركزًا مهمًا للحكام اللاحقين. كما شيّد سنوسرت معابد في أبيدوس، منها "أمدمنت"، مما عزز إرثه الفني. هذه الآثار لم تكن مجرد تذكارات حكمه، بل عززت ارتباطه الديني بآلهة مصر.

الفن والتصوير

أحدث سنوسرت الثالث ثورة في التصوير الملكي المصري بابتعاده عن الصورة المثالية التقليدية للملوك القدامى، وبدلًا من ذلك صُوّر بواقعية مذهلة. عادة صُوِّر بعيون عميقة، وحواجب مجعدة، ووجنتين بارزتين، وتعبيرات رسمية تؤكد على إنسانيته وأعباء المملكة. هذا الوجه يعكس حاكمًا ناجحًا لكنه متعب، مع حفاظه على بعض الشباب والقوة التقليدية التي ترمز للسلطة والمرونة. يرى العلماء أن هذه الأساليب الفنية تمثل شخصية وحكم سنوسرت الثالث وتفانيه لشعبه.

العبادات الدينية والتمجيد

كان سنوسرت الثالث من قلائل الفراعنة الذين أُلّهوا خلال فترة حياتهم. نجاحاته وقيادته العسكرية أكسبته تبجيلًا كبيرًا، وخاصة في النوبة، حيث عُبد كثيرًا. ازدهرت عبادته في سمنة وغيرها من المواقع حيث كُرّم لدوره في حماية حدود مصر والحفاظ على النظام. دُوّرت له أغاني تكريم في برديات إلهية عكست مكانته المقدسة. احتفل به كنموذج للحاكم الفاتح والحامي، وعززت عبادته ازدهار مكانته كملك مقدس. حتى بعد وفاته استمرت عبادته لقرون، وخاصة في أبيدوس حيث أصبح مجمّعه الجنائزي مركزًا دينيًا.

مدة الحكم والحكم المشترك

من المحتمل أن سنوسرت الثالث حكم لمدة 39 عامًا، مع أدلة تشير إلى الشراكة مع ابنه أمنمحات الثالث. تأتي هذه الأدلة من برديات مؤرخة ونقوش إنشائية تدعم هذه النظرية. ويرى بعض الباحثين أن أمنمحات الثالث ربما أكمل المشاريع التي بدأت خلال حكم سنوسرت الثالث، مما يعكس طبيعة الحكم المشترك بينهما في أواخر حياته.

الإرث والتأثير

ترك حكم سنوسرت الثالث إرثًا لا يُمحى في التاريخ المصري. حملاته العسكرية وسّعت حدود مصر ومواردها مما ضمن الأمن والاستقرار الاقتصادي. إصلاحاته الإدارية ركزت السلطة، مما وضع الأساس لحكام أقوياء حافظوا على وحدة الدولة. معماريًا، أظهر مجمعه الهرمي وموقع أبيدوس الجنائزي الابتكار وربط حكمه بالمقدّس وبأوزوريس. في الفن، قدّم نمطًا جديدًا للرسم الملكي الواقعي، معبرًا عن إنسانيته وقوته. عبادته الدينية تظهر الاحترام العميق الذي حظي به خلال حياته وبعد وفاته. ويُعد سنوسرت الثالث من أعظم فراعنة المملكة الوسطى، مما ألهم الحكام اللاحقين وعزز مكانته الأسطورية