الحجاج بن يوسف الثقفي

الحجاج بن يوسف الثقفي

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

الحجاج بن يوسف الثقفي: قائد من نار وماء

image about الحجاج بن يوسف الثقفي

 


يُعَدّ الحجاج بن يوسف الثقفي واحدًا من أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في التاريخ الإسلامي؛ فهو القائد الذي وطّد أركان الدولة الأموية بحدّ السيف، وهو الإداري الفذّ الذي ترك بصمات لا تُمحى في بنية الدولة والحضارة العربية، وهو في الوقت نفسه الرجل الذي ارتبط اسمه بسفك الدماء والبطش بالخصوم، حتى لُقِّب بـ«المبير».

نشأته وبداياته

وُلد الحجاج في مدينة الطائف سنة 41هـ، ونشأ في أسرة كريمة من قبيلة ثقيف. عمل في بداية حياته معلّمًا للصبيان، يعلّمهم القرآن الكريم، وهو ما انعكس لاحقًا على فصاحته اللافتة وقدرته الخطابية التي أدهشت معاصريه.
انتقل إلى دمشق والتحق بشرطة عبد الملك بن مروان، حيث لفت الأنظار بصرامته وقدرته على ضبط الجند، فاختاره الخليفة للمهمات الصعبة، وأصبح أحد أعمدة حكمه.

الحجاج القائد العسكري: توطيد الدولة

اشتهر الحجاج بقدراته العسكرية والتنظيمية، وكان له دور حاسم في تثبيت أركان الدولة الأموية، ومن أبرز محطاته:

القضاء على حركة عبد الله بن الزبير: حاصر مكة المكرمة، وتمكّن من إنهاء دولة ابن الزبير، وأعاد الحجاز إلى سيادة الدولة الأموية.

إخماد فتنة ابن الأشعث: واجه واحدة من أخطر الثورات الداخلية في تاريخ الدولة الأموية، وكانت معركتها الفاصلة في وقعة دير الجماجم، حيث أظهر ثباتًا وحزمًا شديدين حتى انتصر.

فتوحات المشرق: أرسل القادة العظام لفتح بلاد ما وراء النهر والسند، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي ومحمد بن القاسم الثقفي، مما أدى إلى اتساع رقعة الإسلام شرقًا.

إنجازات الحجاج الحضارية والإدارية

بعيدًا عن السيف، كان الحجاج رجل دولة من الطراز الرفيع، وترك آثارًا حضارية لا تزال الأمة تنتفع بها إلى اليوم، من أهمها:

تنقيط المصحف: أمر بوضع النقاط على الحروف المتشابهة في القرآن الكريم، كالباء والتاء والثاء، صيانةً للقراءة من الخطأ، خاصة بعد دخول غير العرب في الإسلام.

تعريب الدواوين: نقل لغة الإدارة من الفارسية والرومية إلى العربية، مما رسّخ العربية لغةً للدولة والسياسة والعلم.

بناء مدينة واسط: أنشأها في العراق لتكون مقرًا لجنده ومركزًا إداريًا يتوسط الكوفة والبصرة.

الإصلاح الزراعي: اهتم بشق الترع وتجفيف المستنقعات في العراق، مما ساهم في زيادة الإنتاج الزراعي واستقرار موارد الدولة.

شخصيته الصارمة

عُرف الحجاج بخطبه المزلزلة ولهجته القاسية، ولعل أشهر أقواله خطبته في أهل الكوفة:

«إني لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها».

هذه الصرامة جعلته حاكمًا مهاب الجانب، لكنها في الوقت نفسه جلبت عليه انتقادات واسعة بسبب شدته في الحكم وقسوته مع خصومه ومعارضيه.

حوار الحجاج مع أسماء بنت أبي بكر

بعد مقتل عبد الله بن الزبير، دخل الحجاج على أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، فقالت له بثبات ووقار:

«رأيتك أفسدتَ عليه دنياه، وأفسدَ عليك آخرتك».

ثم أضافت بعزةٍ وأصالة حين ذكّرها بنسبها:

«أما سمعتَ قولك: ابن ذات النطاقين؟ أنا والله ذات النطاقين؛ أحدهما كنت أرفع به طعام رسول الله ﷺ وأبي بكر، والآخر نطاق لا تستغني عنه امرأة».

حاول الحجاج التلطّف فقال: إن الأمير قد أعطاني كنوز ابنك وسأردها إليك.
فابتسمت أسماء ابتسامة الحكمة وقالت:

«لما منعنا لم نحزن، ولما أعطانا لم نفرح؛ فالعزّ ليس في المال، بل هنا» — وأشارت إلى صدرها.

الخاتمة

توفي الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 95هـ في مدينة واسط، ودُفن فيها، تاركًا وراءه إرثًا متناقضًا يجمع بين قوة الإدارة وبناء الدولة من جهة، والقسوة والبطش من جهة أخرى، ليبقى مثالًا صارخًا لشخصيةٍ امتزج فيها النار والماء


 


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
ahmed said تقييم 0 من 5.
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.