حصون من جليد الفصل الأول
رواية : حصون من جليد
للكاتبه : المتألقه / برد المشاعر 😍
غرفة ذات جدران قاتمة اللون رغم طلائها الفاتح ومكتبة برفوف
ضخمة خشبية مدعمة بالحديد كي لا تتآكل مع مرور الزمن ورجل يليق
بهذا المكان بمعطفه الخريفي الرمادي رغم أننا في فصل الصيف وطاولة
واحدة أمامها كرسيان فقط ليس لضيق المكان لكن لأنه لا يدخله أكثر من
شخصين, أخرج ذاك المجلد الكبير الذي أكله الغبار وإهمال ما فيه مع
مرور السنين ثم رماه على الطاولة ليصدر صوتا ثقيلا غليظا وكأنه
كيس رمل سقط عليها ثم نفخ جوانبه بشفتيه بقوة نثرت غباره عليهما
ليزيد سوء هذا المكان الكئيب الذي يسبب الاختناق بسبب الحرارة
وانعدام ضوء الشمس والهواء النقي فيه
فتحه وورق بضع أوراق حتى وصل للرقم المطلوب ( مجموع
القضايا المدونة والموثقة من القضية 1577 إلى القضية 1597)
تتبعها بإصبعه حتى وقف على الأرقام المطلوبة ثم أغلقه من جديد
وقلبه وفتحه من الجهة الأخرى وورقه حتى وصل لصفحاتهم ثلاث
قضايا متشابهة ومتتالية في نفس اليوم وبأوقات مختلفة وها هوا
يُفتح ملفها المنسي منذ عشرين عاما , نظر لهما ثم قال
" ها هوا المطلوب القضايا والمحاضر وأسماء الشهود
وكل ما يتعلق بها مدون ومثبت بالوقت والتاريخ "
ثم نظر للصفحة مجددا وتابع " 22/ 5 / 1990 الساعة السابعة
صباحا اختفاء الطفلة ( ترجمان أحمد صياد ) العمر 4 سنوات
الظروف غامضة والأسباب غامضة وبعد ثلاث أعوام أغلقت
القضية ودونت ضد مجهول
22 / 5 / 1990 الساعة الثالثة ظهرا اختفاء الطفلة
( سراب حلمي نصران ) العمر3 سنوات الظروف غامضة
والأسباب كذلك مجهولة , بعد عامين أغلقت القضية
ودونت ضد مجهول
22 / 5 / 1990 الساعة الثامنة مساءً الطفلة ( دُرر علي رضوان )
العمر 5 سنوات اختفت تحت ظروف غامضة أيضا لتُغلق القضية
بعد أربعة أعوام ودونت ضد مجهول كسابقتيها "
ثم رفع رأسه لهما وقال " أروني الإذن من المحكمة لفتح
ملف القضية مجددا لو سمحتما "
الفصل الأول
وضعت يدي على كتفه ونحن ننظر للثلاثة القادمين جهتنا ببذلتهم
العسكرية والنجوم التي تزين أكتافهم بأجساد بناها كثرة التدريب
الشاق لسنوات على الأرض وفي الجو وفي البحر في هذه البلاد
وخارجها لنصنع منهم ما نريد جيلا سيحمل رايتنا في المستقبل
فكل بطل عليه أن يورث البطولة لغيره كي لا يحدث شرخ لا
يمكن ترقيعه ويبقى التاريخ يحكي عن أمجاد القدامى ويتحسر
المستقبل عليهم
شددت على كتفه أكثر وقلت بفخر " ها هم عادوا كما نريدهم "
قال بابتسامة جانبية " لا أعلم لما أشعر أن الآمال التي تعلقها
على هؤلاء الضباط تحديدا وتجعلك تميزهم عن غيرهم هي
التي سترمي بك وبنا للهلاك "
ضحكت وقلت " سترى ما سيفعلون وكما تعرفني لا أثق بأحد عبثا "
وصلوا عندنا ليضربوا التحية بوقفتهم المستقيمة الصلبة ونظرتهم
الشامخة وابتسامة الفخر والانتصار على أنفسهم فبدأت بمصافحة
كل واحد فيهم بيد واليد الأخرى تقبض على الذراع الآخر بقوة وكأني
أقول لهم بها نعم هكذا أريدكم أجل أنتم من سيأخذ مكاننا في المستقبل
القريب جدا ومن سيسجل لكم التاريخ بطولات جديدة تضاف له
قلت بعدها بثبات " طبعا حفل التكريم سيكون غدا وأنتم على
رأس القائمة لكني فضلت استقبالكم هنا ما أن تنزل طائرتكم
العسكرية الخاصة لأنكم صنع يداي "
ازدادت ابتسامتهم التي أراها واحدة رغم اختلافها , ابتسامة القوة لدى
( آسر ) وابتسامة الثقة والاعتزاز بالنفس لدى ( إياس ) والابتسامة
الغامضة التي تُفَسر بملايين التفاسير فيها القوة والحدة والتحدي وحتى
الشراسة وهي لـ ( أواس ) فلطالما رأيت أن لكل واحد منهم من اسمه
نصيب , قال العقيد شاهين بجانبي " وطبعا العشاء على
شرف رئيسكم رفعت الليلة "
ضحكت وقلت " بالتأكيد فهناك مهمة مستعجلة في انتظار
فريق المهمات الصعبة فقد اشتاقت المداهمات لكم "
ثم نظرت لإياس وقلت " أما أنت فوالدتك لن ترحمني معك
إن لم تذهب لها أولا لتراك "
ثم نظرت للاثنين المتبقيان وقلت " ولنرى في ظروف البقية "
قال آسر مبتسما " أواس أيضا ستقول أنه متزوج وعمته مشتاقة
له يعني بقيت وحدي في مصيدتك "
ضحكت وقلت " بلى أنت ابني الذي لن تحده الظروف
عن المهمات الصعبة "
ليشع وجهه فخرا فآسر من فقد حنان الوالدين وعزوة الأهل
والأقارب ورغم ذلك لا تراه إلا شامخا عزيز نفس يكره حتى
كلمة يتيم وهوا من احتضنته الشرطة منذ كان ابن الخامسة عشرة
وتحمل ما عجز الرجال عن تحمله في تلك الكلية وفاجئ الجميع
ولا يقِل عن الاثنين الآخرين في شيء , إياس الشخصية الهادئة
لا يتحدث إلا للضرورة وبالمفيد فقط فيحكم عليه من يراه دون أن
يعرفه أنه مغرور , أواس الغامض صاحب ردود الأفعال الغير
متوقعة الشخصية الصلبة التي لا ترفض المهمات ولا تخاف .
نظرت لهم واحدا واحدا وقلت " دعوني أسجلها لثلاثتكم
غدا إذا وسأطلق سراحكم الليلة "
ليضربوا التحية دليل الانصياع للأوامر ومهما كانت الظروف
ثم أعطونا ظهورهم مغادرين وقال العقيد شاهين " أنت منحاز
وغشاش هل لاحظت ذلك "
ضحكت وقلت " أجل لاحظت لكني لم أقصد ما فهمت فأنا خفت
فقط من شقيقتي فهي تهددني إن حدث لابنها شيء بسببي قاطعتني
لآخر العمر واليوم تتوعدني لأتركه لها تراه ما أن يرجع وتنزل
طائرته , أما أن يكون بينهم فرق عندي فمستحيل "
*~~***~~*
فتحت الباب ودخلت المنزل كان الهدوء والسكون يعم المكان
غريب ألا يعلمون بوقت عودتي !!! كنت سأنادي عليهم لولا
أن أوقفتني اليدان التي احتضنت خصري وعرفت صاحبتها من
الخاتم الموجود في أول سبابتها فشددت يدها وسحبتها أمامي
قائلا " كم مرة قلت لا تلبسي الخاتم هنا كبنات الشوارع "
قفزت لحضني وتعلقت بعنقي قائلة " حمدا لله على سلامتك
اشتقت لك وأنت اشتقت فقط لتوبيخي ومراقبة تصرفاتي "
ضممتها برفق وقلت مبتسما " لأني أخشى أن أجدك المرة
القادمة تعلقين مشابه له في أنفك وحاجبك , أين تؤمك ووالدتك "
ابتعدت عني وقالت وهي تفرقع العلكة في فمها " سلسبيل في
غرفتها ووالدتي في المطبخ فلم تترك شيئا لم تعده لك اليوم "
ثم مدت يدها لي وقالت " الهدية "
ضربتها لها وقلت " هل تريني كنت مسافرا للتنزه أين
رغد أليست هنا "
هزت رأسها بلا لحظة قدوم والدتي نحوي تمسح يديها بمنشفة وعلى
وجهها تلك الابتسامة التي تعيد الحياة لهذه الروح المتعبة التي أنهكتها
المسئوليات الملقاة على عاتقها , وصلت عندي وقد غزت الدموع تلك
المقلتين التي لا تعرف غير الحنان والرقة فاحتضنتها وقبلت رأسها وقلت
" لما الدموع يا أمي , هذا وأنتي تريني أمامك بكامل صحتي وعافيتي "
ابتعدت عن حضني وقالت وهي تمسح دموعها " هوا الشوق لك
بني وقد أقسمت على خالك أنها آخر مرة يخرجك فيها دورة
تدريبية يكفي كل حين يرسلك لمكان جديد تغيب عني لأشهر "
أبعدت يدها عن خدها وقبلتها لها وقلت وأنا أمسح بقايا دموعها
من على خديها " لن أسافر مجددا اطمئني يا أمي "
ضمت يدي لصدرها وقالت " بلى مع عروسك وتُفرح قلبي "
ضحكت وقلت " وهل ستفكرين أن تحرميني من ذلك "
ثم نظرت حولي وقلت " سلسبيل أين ورغد لما لم تأتي "
قالت أمي للخادمة التي اقتربت منا " نادي سلسبيل من
غرفتها "
ثم نظرت جهتي وتابعت " كنا نظن أن طائرتك ستنزل بعد ساعتين "
قالت الخادمة " حاضر سيدتي وحمدا لله على السلامة سيد "
قلت " سلمك الله خذي حقيبتي لغرفتي وجهزي لي الحمام بسرعة "
غادرت من فورها وقلت مجددا " أين رغد أم ستأتي بعد ساعتين "
نظرتا لبعض ولاذتا بالصمت فقلت بريبة " ماذا هناك !! "
قالت أمي بتردد " هي .... أعني مشغولة اليوم ولديها ضيوف
وقالت ستأتي فيما بعد "
قلت بضيق " مشغولة أم أن زوجها يمنعها من المجيء "
قالت بسرعة " بل مشغولة كيف تبقى عنك فأنت تعلم كم تحبك "
قلت بجدية " لا أعلم حتى متى ستتسترون عنه أقسم إن اشتكت
لي فقط ولو بحرف واحد أن يرى حسابه مني "
قالت بخوف " إياس بني لا تجعل المشاكل تبدأ بينك وبين
نسيبنا , لا توجد حياة بين زوجين تخلوا من المشاكل البسيطة
وتدخُّل الأهل قد لا يزيدها إلا تعقيدا "
قلت بغضب " ونسكت له ويكبر رأسه أكثر , لي حديث آخر
معها ما أن تأتي وأقسم لولاها ما رضيت به وأنتي أكثر من يعلم
بذلك يا أمي وكان أكبر خطأ ارتكبته في حياتي ولن يتكرر ثانيتا "
اقتربت حينها سلسبيل منا قائلة " ما أكثر صحتك يا أخي
تصرخ وأنت منهك وقد عدت من السفر للتو "
ثم احتضنتني قائلة " حمدا لله على سلامتك حضرة الضابط إياس "
مسحت على ظهرها وقلت بهدوء ممزوج بالضيق
" سلمك الله , نزعت شقيقتك وزوجها راحتي ومزاجي "
ثم غادرتُ من عندهم وللسلالم فورا قاصدا غرفتي
*~~***~~*
غادر إياس مستاء ولوت سلسبيل شفتيها وقالت " لا يكن قصد
ابنك أنه سيضع خطيبي تحت المجهر ويفتشه "
قلت بضيق " شقيقك وكلمته نافذة على الجميع ومعه حق
فقد أطاع رغبتها وها هي النتائج أمامكم "
قالت بضيق أكبر " لا يوجد رجل كما يريده هوا لقد انقرض
ذاك النوع وعليه أن لا يتحكم في خصوصياتنا أيضا "
قالت سدين " يبقى يفكر في مصلحتنا وهذا اسمه خوف وليس تحكم "
نظرت لها وقالت " لا تتبجحي فأنتي لم تقفي موقفنا بعد "
قالت بجدية " أقسم إن رفض شخصا سيرتبط بي لكنت
سأرفضه ولو كنت أعشق التراب الذي يمشي عليه "
ثم قالت مغادرة " لأني أعرف جيدا أنه لن يرفضه كرها لي
بل حبا لي ولمصلحتي واسألي رغد أمامك "
ثم اختفت خلف السلالم حيث مكانها المفضل هناك وقالت
سلسبيل " أقسم يا أمي أني لن أسكت أبدا "
قلت بضيق " يكفيك جنون ثم هوا لم يتحدث عنه بشيء "
قالت باستياء " وما قصده بأنه خطأ لن يتكرر "
قلت بحدة " إن كنتِ متأكدة من أن خطيبك يعيبه الكثير فتلك
مشكلتك ولن أعانده وأقف معك كما حدث مع رغد هذا شقيقكم
الذي رباكم ويخاف عليكم وتحمل مسئوليتكم صغيرا فقدروا
على الأقل تعبه لسنوات من أجلكم "
قالت مغادرة وهي تنفض ثيابها " تحمل وربى وصرف
ووووو , أزعجتمونا بهذه الاسطوانة "
ثم صعدت السلالم غاضبة أيضا وهززت أنا رأسي بقلة حيلة
ثم تبعتها لكن ليس لنفس وجهتها بل لغرفته , طرقت الباب
ودخلت فكان ينزع سترة بذلته العسكرية وقال مبتسما ما أن
رآني " زارتني البركة واشتقت لهذه الزيارات "
اقتربت منه وأخذت السترة من يده وقلت " وما سأقول أنا , إياك
والابتعاد عني مجددا يا إياس وارحمني من الانشغال عليك طوال
الوقت فحتى نومي تنغص منذ أول يوم سافرت فيه "
نزع القميص تحتها وقال " أقسم لن أسافر مجددا لكل هذا
الوقت , انتهى تدريبنا يا أمي "
وضعت السترة على السرير وجلست عليه وقلت " لا أعلم لما
وحدكم من بين رجال الشرطة يتنقلون بكم كالحقائب ؟ أعرف
أخريات أبنائهم درسوا معك ولم يسافروا "
ضحك ورفع السترة مجددا وأخرج منها هاتفه ومفاتيحه ووضعهم
على الطاولة ثم قال وهوا ينزع قميصه الداخلي " ومن يرفض
الترقية والخبرة يا أمي أنظري لمن تتحدثين عنهم
لازالوا برتبهم ذاتها حتى الآن "
قلت ببرود " المهم أن بالهم مرتاح عليهم "
ثم تابعت بضيق " وكم مرة قلت لك لا تنزع كل ثيابك وتبقى هكذا
صدرك عاري أمامي احترمني يا ولد أنا لست زوجتك "
ضحك كثيرا وقال " وما في هذا ألستِ من أنجبني ورباني
بل وحممتني بيديك "
قلت بذات الضيق " ذلك وأنت طفل ليس رجلا هكذا ثم أنا
أخاف عليك حتى من عيني وأنت بهذا الجسد "
حملها مجددا وقال وهوا يلبسها " ها قد لبستها فقط لا تغضبي "
قلت " نعم هكذا وإن كنت لست راضية حتى عنها هي "
ضحك وتوجه نحوي وجلس بجانبي وقال " وكيف تدخلين
غرفتي وتشترطين علي ؟ هل ذهبت لك لغرفتك هكذا "
ضحكت وقلت " معك حق يعني أنا المخطئة "
قبل يدي وقال مبتسما " بل أنا المذنب لكني سأكررها "
ضربته على رأسه وقلت " لن تتغير أبدا عنيد وتتجاهل
مالا تريده منذ كنت طفلا "
قال بعد ضحكة " أمري لله لا أحد غيرك يشهد على طفولتي "
باقي الفصول اسفل في التعليقات 🤗