ثغر  العبور لعوالم جديدة

ثغر العبور لعوالم جديدة

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

الفصل الأول:

image about ثغر  العبور لعوالم جديدة

 في قلب الغابة... شيء يتنفّس

لم يكن في نية ياسين سوى جمع القليل من الحطب.
كان يقضي عطلة نهاية الفصل الدراسي الأول مع أسرته في منزل صغير لهم بين الجبال كالعادة كل عام،  حيث تفوح رائحة الخشب المحترق، وتغني الريح لحنًا بارداً في كل مساء.
في اليوم  الثاني، وبعد فترة الظهيرة ، طلبت منه والدته أن يجمع بعض الأغصان اليابسة استعدادًا لليلة طويلة.
أخذ السلة، ومضى وحده نحو أطراف الغابة، مطمئنًا إلى أنّه لن يبتعد كثيرًا.
لكنه لم يلحظ أن الضباب قد بدأ يتسلّل بين الأشجار.
ولا أن الأرض أصبحت أنعم تحت قدميه.
ولا أن الطيور... صمتت تمامًا.
تقدّم، ثم أكثر، ثم أكثر... كأنّ شيئًا ما كان يقوده دون أن يُدرك.
عند التواء غريب في الجذوع، وجد نفسه أمام ساحة دائرية، الأشجار من حولها تتقوّس بانتظام، كأنها تركع حول سرٍّ لا يُقال.
وفي المنتصف، كان هناك حجر.
ليس كالحجارة الأخرى، بل كتلة بلّورية شفّافة، نابضة بضوء أزرق هادئ.
كأنّ فيها صدرًا صغيرًا يتنفّس ببطء.
اقترب ياسين، وهو لا يدري لِمَ لم يتراجع.
مدّ يده.

ولمّا لامس الحجر، سُمِع في الأعماق صوت... لا هو صدى، ولا هو نبض، بل كأنّ الغابة بأكملها تنبّهت.
فجأةً انفتح أمامه ثقب دائريّ في الهواء، ليس من نار ولا من دخان، بل من ضوءٍ حيّ. كان محيطه يهتزّ كما يهتز سطح بحيرة حين تُلقى فيها حصاة، وكل موجة تتّسع لتبتلع الظلال من حولها.
في قلب ذلك الثقب، كان المشهد يتغيّر كل لحظة: تارةً يرى سماءً بنفسجية تتخللها شلالات ضوء، وتارةً يرى حقولاً عائمة بلا أرض. لم يكن شيئًا ثابتًا، بل احتمالات تتبدل بسرعة، كأن البوابة لا تعرف أي عالم ستكشفه له.

وحين جُذِب إلى الداخل، شعر أن الهواء أصبح أثقل، ثم أخفّ، ثم كأن جسده قد صار شفافًا للحظة.
وعندما فتح عينيه، لم يكن في الغابة التي يعرفها.

الأشجار كانت أطول من المعقول، لحاؤها ناعم كالمعدن، وأوراقها الواسعة تضيء من الداخل بلون أرجوانيّ يتدرّج إلى الأخضر عند الحواف. بين الجذوع، كانت تطفو كرات صغيرة من الضوء، لا تُصدر صوتًا لكنها تهتزّ كما لو كانت تتنفس. السماء نفسها ليست زرقاء، بل طبقات متراكبة من البنفسجي والتركواز، تتخللها شقوق لامعة كأنها جراح من نور.

أما الثقب الذي عبر منه... فلم يختفِ. كان يطفو خلفه، كعين مفتوحة على العالم الآخر، ينبعث منه خيط رفيع من الضوء الأزرق يتلوى في الهواء كدخان بارد. لم يكن مجرد باب، بل كائن حيّ، يتنفس ببطء، كأنه يترقب اللحظة التي يُغلق فيها أو يبتلع شيئًا جديدًا.
 

ثم خرجت من بين الظلال امرأة.
طويلة القامة، رشيقة، ينسدل شعرها الفضي حتى منتصف ظهرها، وتتدلّى منه ريشات سوداء لامعة.
عيناها بلون رماد مشتعل، لا نظرة فيهما... بل وزن.
وقفت أمامه، لا تقترب ولا تبتعد.
ثم قالت بصوت رقيق، لا يشبه صوت البشر في شيء:
"لقد عبرت."
قال بدهشة:
"أين أنا؟ ماذا... كان ذلك الحجر؟"
أجابت، وهي تُشيح بنظرها نحو الأشجار:
"ذلك يُدعى ثُغر العبور. وليس كل من يراه، يستطيع لمسه."
قال:
"أنا... لم أقصد. كنت فقط أبحث عن الحطب."
ابتسمت، ابتسامة فيها غموض كأنّها تعرف ما لا يعرفه بعد، ثم همست:
"وهو بدوره... كان يبحث عنك."
سكت. شعر بأن الأرض هنا لا تنبض كما في الغابة التي يعرفها.
كأنها لا تتحرّك حول الشمس، بل حول شيء آخر… شيء أقدم.
سألها، وقد بدأ يشعر بثقل في صدره:
"أيمكنني... العودة؟"
نظرت إليه طويلًا، ثم قالت:
"لم يُقرَّر بعد."
ثم استدارت، وقالت دون أن تلتفت:
"تعال، قبل أن يعلم الراصدون."


   🌀 نهاية الفصل الأول
 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

1

متابعهم

0

مقالات مشابة
-