بابا اروتس وخير الدين باربروس

بابا اروتس وخير الدين باربروس

0 reviews

يؤخذ الرجل المسلم والمرأة المسلمة إلى داخل أقبية الكنيسة؛ فيفعل بهما ما لا يطيقه إنسان وما لا ترضاه الأديان ولا تقر به.

مشاهد من التعذيب لم ترها في أفلامهم وأعمالهم الدرامية كانت هدفها تنصير المسلمين، وردهم عن دينهم وعن لغتهم، وتسليم كل ما لديهم من كتب العرب وعلومهم، تعذيب يبدأ بمنع الأكل والشراب حتى ينحل البدن ويظهر العظم دون اللحم، والنوم في غرفةٍ بحجم الإنسان أفقية أو رأسية؛ فيظل الإنسان فيها واقفًا طول مدة سجنه حتى يهلك أو يظل نائمًا طوال مدة سجنه حتى يبلى، وهنا أدركت أن فرعون نفسه كان هينًا لينًا في عذابه عندما أمر بتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف فقط ولم يتطرق إلى نزع أعضاء الجسم الصغيرة مثل ما فعلوا هؤلاء من نزع الأظافر، وقطع اللسان، ونزع أثداء النساء بآلاتٍ من جذورها حتى يظهر عظام قفصهم الصدري.

ولولا مشاعر قرائي الأعزاء؛ لذكرت لكم من أنواع وأساليب العذاب التي كانت تستخدمها محاكم التفتيش في الأندلس، ولكن رفقًا بقلوبكم، واحترامًا لمشاعركم سأكتفي بذلك؛ لأبين مدى ما وصل إليه المسلمون في الأندلس مما جعلهم يرسلون في طلب النجدات والاستغاثات؛ فوصلت رسائلهم إلى السلطان سليم الأول، وكان هو بطل الموقف الذي أنقذ المسلمين من شدةٍ لم يصل إليها أحد قبلهم.

وما إن وصلت صرخات المعذبين إليه من داخل أقبية الكنائس حتى فزع إلى قائد بحري ليس له نظير، تلألأ اسمه في ربوع الأرض، وآفاق السماء، وعرفته حيتان البحار وأسماكها؛ فأتى بالقائد البحري عروج، وأسند إليه مهمة هي المعنى المرادف للمستحيل ومما جاء فيها نقلًا عن كتاب "مئه من عظماء أمة الإسلام" لجهاد الترباني.

المهمة المستحيلة:

1_ الإبحار من أقصى شرق البحر المتوسط في تركيا إلى أقصى غرب المتوسط في الأندلس، ومحاربة أساطيل الجيوش الصليبية مجتمعة إسبانية، وبرتغالية، وإيطالية، وسفن القديس يوحنا.

2_ التمكن من اختراق كل تلك الحصون البحرية والتي تبني جدارًا بحريًا حول الأندلس، والتمكن من الرسو الآمن في إحدى المدن الأندلسية المحتلة من قبل القشتاليين الصليبيين.

3_ تدمير الحامية البحرية الإسبانية لتلك المدينة، وشل قوة العدو الدفاعية، والتحول إلى اليابسة، وخوض حرب شوارع ضد القوات البرية الإسبانية في أزقة تلك المدينة وشوارعها.

4_ تحرير المدينة الأندلسية من جديدٍ، ورفع راية الإسلام العثمانية على قلاعها ومباغتة الكنائس بصورةٍ مفاجئةٍ للحيلولة دون هروب القساوسة الكاثوليك الذين يعرفون أماكن غرف التعذيب السرية.

5_ البحث في جميع أقبية الكنائس المظلمة بشكلٍ فوري قبل أن يتم تهريب المُعذبين المسلمين، والتمكن من العثور على الغرف السرية التي يُعذَّب فيها المسلمون.

6_ بعد العثور على غرف التعذيب السرية يتم تحرير المسلمين مع مراعاة عدم نقلهم من الأقبية حتى غياب الشمس؛ لتجنب إصابة الأسرى بالعمى نتيجة عدم رؤيتهم للشمس منذ سنين.

7_ يتم نقل الأسرى حملًا إلى السفن الإسلامية العثمانية مع مراعاة الحالة البدنية الفظيعة التي وصلوا إليها مع تجنب تعرض جلودهم الهزيلة للتمزق أثناء الحمل.

8_ إخلاء المدينة على وجه السرعة مع مراعاة ألَّا تستمر العملية منذ الرسو في الميناء وحتى الإقلاع أكثر من (6) ساعات؛ لتجنب الاشتباك مع قوات المدد للعدو الآتية من المدن المجاورة.

9_ الإبحار تحت جنح الظلام، والتمكن من شل حركة العدو البحرية أثناء رحلة الرجوع مع الأخذ بعين الاعتبار أن العودة هذه المرة لن تكون نحو تركيا، وإنَّما ستكون نحو الجزائر من طريقٍ آخر؛ لإسعاف الأسرى بأسرع وقتٍ من جهةٍ، ولخداع بحرية العدو من جهة أخرى.

انتهت المهة.

هل رأيت مثل هذه المهمة في أفلامهم ورواياتهم؟

لا أظن ذلك، وليكن سؤالي ما الذي رآه السلطان سليم الأول في القائد عروج؛ ليسند إليه هذه المهمة؟

ماذا كان من تعبيرات وجه عروج بعد قراءته لمهمة السلطان له، وضرورة تنفيذها؟

هل ارتسمت ملامح الخوف في وجهه أم ابتلع ريقه، وحدق بيعنيه لعظم أمره؟

لا، ليست هذه المشاعر من خلق الأبطال؛ فما إن تسلم عروج مهمته حتى أقدم على تنفيذها بعزمٍ، وقوةٍ، وذكاءٍ.

والعجب كل العجب هو إتمام عروج للمهمة بنجاحٍ منقطع النظير؛ لينقذ ما تبقى من أرواحٍ، وليكف إراقة دماء النساء، والأطفال، والشيوخ، وليذهب غيظ قلوبهم  وليشف صدور قوم مؤمنين.

أطلق عليه مسلمو الأندلس عدة أسماء منها: بابا أروج، والأب عروج، وبابا أروتس حتى حرف الإيطاليون بابا أروتس إلى بربروس، وتعني بالإيطالية الرجل صاحب اللحية الحمراء، هذا ما لم تروه في أعمالهم السينمائية إلَّا ذلك القرصان البحري ذو اللحية الحمراء.

كان لعروج ثلاثة أخوة، وهم: إسحاق، واليأس، وخسرف، وخسرف هذا هو خير الدين بربروسا الذي أكمل بعد أخيه جهاده ضد الصليبيين.

وأخيرًا سقط القائد عروج في أيدي فرسان القديس يوحنا في جزيرة رودس، لا ليس بعد؛ فقد تخلص عروج منهم، واستطاع الهرب من سجنه بطريقةٍ خياليةٍ، وذهب ليكمل قتاله فيهم وجهاده وهو بيدٍ واحدةٍ بعد أن أصيبت اليد الأخرى أثناء إنقاذ النساء المسلمات في أسبانيا، ولم يجد الأطباء حلًا إلا قطعها، ووصل عروج إلى مصر وكان حاكمها الغوري الذي أحسن استقباله وأمدَّه بما يحتاج، والتقى هناك بأخيه خير الدين؛ ليكملا - الإخوان باربروسا- جهادهما وقد أرعبا قلوب أوروبا بأكملها إلَّا أن بعض الحكام الخونة في أسبانيا سهل الطريق للجيوش الصليبية؛ لتحاصر عروج وأخيه وتطلب منه الاستسلام، وهل يكون الاستسلام لرجلٍ مثل هذا؟

لم يستسلم عروج، وظل يقاتل بيده الواحدة قتالًا تشهد عليه دواب الأرض، وطيور السماء، وتشهد على بأسه الجبال الراسيات، ولكن تكالبت عليه سيوف الصليبيين من كل جانبٍ حتى أحدثوا فيه من الجراح ما يبكي العيون، ويشق الصدور، قتل عروج، وقطِّع إربًا إربًا، وتم نزع رأسه من جسده؛ ليطوفوا بها في أوروبا، وتدق أجراس الكنائس احتفالًا بموته، وكأن اليوم عيد.

مشهد استدعاء الدموع

( سيوف الأعداء تقطع جسده، وتنال من أوردته وشرايينه، وعيناه في جو السماء تطوف طالبة الشهادة تارة وتنزل؛ لتبصر الأعداء، وتقاتلهم تارة، ويده الوحيدة تقاتل رغم نزيف أوردتها حتى قتل عروج مسترجعًا أمامه ما كان بالأمس من نظرات الأطفال الصغارى ينظرون إليه مبتسمين بعد إنقاذهم، مسترجعًا نظرة النساء والرجال له بعيون الامتنان والتقدير وكأن حال لسانهم .. شكرًا بابا عروج. )

                           

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

1

followers

0

followings

1

similar articles