صمغ المر (Myrrh): الراتنج الثمين... استكشاف مصدره وأهميته التاريخية والطبية
منذ آلاف السنين، ارتبطت بعض كنوز الطبيعة بالطقوس المقدسة والعلاجات الشافية، وظلت قيمتها صامدة عبر العصور. من بين هذه الكنوز يبرز المر (Myrrh)، وهو ليس مجرد صمغ عادي، بل هو راتنج ثمين يسيل كـ'دموع' من لحاء جذوع أشجار مُعينة تنمو في البيئات القاحلة. لقد حظي هذا الراتنج بمكانة أسطورية، حيث ذُكر في النصوص القديمة واستُخدم كبخور وعطر ومادة تحنيط.
إن أهمية المر تتجاوز قيمته التجارية؛ فهي تكمن في مصدره البيولوجي الفريد وخصائصه الكيميائية المعقدة التي منحته قوة علاجية مذهلة.
في هذا المقال، سننطلق في رحلة استكشافية شاملة لـصمغ المر (Myrrh)؛ سنتعمق في كيفية استخراجه من الشجرة، ونستعرض أهميته التاريخية التي جعلته جزءاً من هدايا الملوك، وصولاً إلى تسليط الضوء على قيمته الطبية المثبتة حديثاً كـمُضاد للالتهابات والميكروبات.
الانتشار:
تنتشر أشجاره في شبه الجزيرة العربية مثل المملكة العربية السعودية واليمن، وشمال شرق إفريقيا كالصومال والسودان.
يقول العالم ديسقوريدس : أنها تكون ببلاد الغرب شبيهة بالشجرة التي تسمى باليونانية - الشوكة المصرية-.
ويقول أبا القاسم الغساني في كتابه “ حديقة الأزهار ” : (هي شجرة باليمن، وقيل: بجزيرة سمطرى، يُترك صمغها حتى يجمد ثم يستعمل).
عرف الأطباء اليونان والرومان هذا النبات واستخدموه لوحده أو مع غيره في علاج بعض الأمراض.
وجاء ذكر المر في التوراة عدة مرات ، كما عرفه العرب، كابن سينا والرازي والأنطاكي، وذكروا فوائده العلاجية ولا زال هذا العقار معروفا لدى التجار باسم هيرابول .
أسماؤه:
اشتق اسمه من اللغتين العربية والعبرية Mur وتعني : مذاقه مر، وشاع بين القدماء تسمية منتجات المر: بولا bola، وبال Bal وبول bol، ويعرف لدى الصوماليين بمولمول أو أوجو ، ويعرف بالإنجليزية Myrrah.
الوصف والأنواع:
شجرة المر دائمة الخضرة، أوراقها مركبة، لها معلاق طويل، صغيرة الأزهار، ثمارها حسلية، رائحة غصانها بلسمية قوية، ويسيل الراتنج الصمغي ، أو نتيجة عمل جروح في جذع الشجرة.
يسهل التعرف عليه من رائحته الأروماتية المميزة، ولا يعطي نوعاً بنفسجياً في اختبار البروم ، ويكون المر من نوع Gum hotai bdellium غير نفاذ للضوء، ويحتوي على مركب سابونين ، ويستعمل لغسيل شعر الإنسان.
أنواع اشجار المر:
الأول: مر هرابل.
الثاني: المر الحلو، وهو شجرة المر الحبشي المعروف ، ويستعمل في البخور والعطور والتحنيط.
ويوجد أيضاً أربعة أصناف من المر ، عرفها هولمس بأنها: ذات رائحة عطرية تسمى Perfumed or scented bdellium .
طريقة جمع صمغ المر:
يوجد قنوات زيتية في لحاء جذوع الأشجار لجميع أفراد الفصيلة البورسيرية ، وتتكون نتيجة حدوث الانفلاق ، وقد يتجمع الانفلاق بالآخر، وتتكون تجاويف انفلاقية في أنواع الجنس النباتي.
تجمع الإفرازات من النضج الذاتي من الشقوق والشروخ التي تتشكل في اللحاء، وفي الصومال تعمل الشقوق ليتصلب السائل اللزج المفرز منها ذو اللون الأبيض المصفر بسرعة.
مكونات المر الفعالة:
يحتوي المر على نسبة من 7 إلى 17 % زيت طيار، ومن 25 إلى 40 % راتنج، و57 إلى 61 % صمغ، ونسبة صغيرة من المواد الغريبة من 3 إلى 4 % .
يحتوي الزيت العطري على تربينات وإسترات وإيجينول ، ويعطي لوناً بنفسجياً مع عنصر البروم.
ويحتوي الجزء الذائب منه في الإيثير على ألفا وبيتا وغاما لحمص كوميفوريك واسترات حمض راتنجي آخر، واثنين من المركبات الراتنجية الفينولية الأخرى.
ويحتوي الجزء الأصغر غير الذائب منه في الإيثير على ألفا وبيتا وغاما لأحماض هيرابوميرهوليك .
في الطب القديم:
قال ابن البيطار: ( مفتح محلل للرياح، وفيه قبض، نافع من الأورام البلغمية، ويدمل ويكسو العظام العارية، جيد للسعال المزمن).
ويقو ل ابن سينا: ( هو صمغ طيب الرائحة، منه خالص ومنه مغشوش، أجوده ما هو إلى البياض والحمرة، وغير مخالط بخشب شجرته).
فوائده العلاجية:
- له صفات مطهرة وتأثير قابض للأنسجة ، ويفيد استعماله كمحلول غسيل أو غرغرة في علاج التهابات تجويف الفم واللثة.
- منبه للرحم: له تأثير تنبيه موضعي للرحم عند استعماله على شكل محلول، وهو مدر لطمث المرأة عند تأخره.
مستحضراته الصيدلانية:
تحضر صبغة المر بأخذ جزء من Macerating صمغ المر، ويضاف إليه خمسة أجزاء من الغول ، وتكون الجرعة المستعملة منها ما بين 5.2 إلى 5 ملليتر.
المرجع: مرجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة العدد 32 ، ص ص : 126 - 120.