تم انتزاعُه من فكِ الموت

تم انتزاعُه من فكِ الموت

0 reviews

مقدمة: بكاءٌ صامت


 

في بلدة مشرقة حيث الجميع يبدوا سعيدًا ، حيث البيوت تسودُها البهجة ، حيث المكان حيوي ، يُصَّبُ الاهتمام على منزلٍ يبدو شاذًا في ذلك المكان يَسكُنُه فتى ليس كَسُكَان تلك البلاد فتًا تحيطه هالة من الظلام، ذاك الفتى كان يرى نفسه جالسًا وسط قعر قاتم مع ليلة سوداء، يشعر بالحرارة في كل مكان كأنه وسط نيران، لا ضوء لها ولا شعاع، يرى هذه النيران لكنه لا يراها في نفس الوقت، يشعر بأنه يتعرق من الداخل والخارج يتألم باستمرار يبكي داخله ولكن لا يصدر أي صوت بكاء، كان العرق يتساقط منه مثل شخص ابتل بماء، وبينما كان وسط تلك النيران يراوده ذلك الإحساس ، إذا به يسمع فجأة ضجيجا مزعجًا في رأسه، أناس تصرخ بقوة وطفل يشهق بحرقة وكلهم يبكون وينادون ما بين أنقذني وسَتُقتَل، حاول ذلك الفتى إنقاذ الطفل الذي يصرخ فأمسك به من يده فإذا به يختفي ويترك وراءه كومةً من الدماء تملؤ يدي ذلك الفتى حتى أصبح جسده بالكامل ملطخًا بها، أصبح عقله فارغ بالكامل، وبدأ يلهث بشدة وبالكاد يلتقط أنفاسه، و أخيرًا نطق الفتى بألم طاعن بينما هو يعاني: آه آه ....أرجوكم هذا يكفي، هذا يكفي.  
 

فجأة بمجرد قول هذا الأرض التي يقف عليها تتحول لحفرة من الظلام فتتسارع أنفاسه بقوة، يشعر وكأن أحدهم يخنقه، يشعر بأنه على شفى الموت، تنفسه يضيق أكثر فأكثر، خطواته تتعثر، قلبه يتمزق، وخطاه تتوقف ويبدأ بالسقوط، وبينها هو في تلك الحال لا يدري من يحارب ومن عدوه، إذا بصوت باكي يخترق ظلامه فجأة وينادي "أخي أخي أخي" يكررها دون ملل مع اختلاطها بصوت بكائه. 

عندها بدأ الفتى بالاستيقاظ، وبدأ يظهر له العالم الحقيقي، أفاق بعدها بلحظات وفتح جفنا عينيه بصعوبة رأى أمام عينه طفل بملامح بريئة ووجه أبيض شاحب وعينان زرقاء جذابة ومنتفخة من شدة البكاء، حيث قام على صوته وسمعه وهو ينحب باسمه هارو هارو، هارو.
 

في تلك اللحظة هدأ تنفس الفتى واسترخت عضلات وجهه وقال في نَفسِه آه إنه أنت، لقد كان أنت، وردد في نفسه قائلا:  أنا بخير ...، لا بأس إنه مجرد حلم ... لا بأس.
 

ونطق للطفل اخيرًا بعد هدوئه، حيث أشار بيديه إلى الباب، وقال للطفل : فقط أُخرُج أريد البقاء لوحدي.

 تردد الطفل في البداية ولكن في النهاية خرج وهو يقول ويبكي من غضب وخوف ، أَخٌ أحمق لا يعرف كيف يتصرف بلطف.

 

وبعد خروج أخاه استيقظ ذلك الهاروكا بالكامل ولم يعد يستطيع النوم هدَّأ نفسه ووجد أن الشمس قد أشرقت بالفعل، وفي الصباح الباكر وجد أخاه جالسًا في الغرفة لوحده، فناداه من عند الباب بصوتٍ خشن: هيي أنت ؟
 

نظر الطفل بتعجب وعلامات استفهام على وجهه، وأشار إلى نفسه قائلا : أنا؟! هل تناديني؟
 

فرد عليه الأخ قائلا: لا بل أنادي على الشبح الذي بجانبك.

وفكر نفسه أهو غبي أم أَنَّه يتظاهر بالغباء. 
 

قال الصغير: لا تخيفني لا يوجد أشباح هنا.
 

هاروكا: انظر إنه هناك أَضَعُف بصرك؟
 

بدأ الطفل يتوتر وينظر حوله لم يجد أحدًا وقال: هل تمزح معي لا يوجد غيري هنا.
 

قال هاروكا مكررًا: انظر هناك إن الشبح بجانبك ألا تراه، إنه بجانبك انا أراه هل أصبحت حقًا لا ترى أم ماذا؟ 
 

ارتعد الطفل قليلا وبدأ ينظر يُمنة ويُسرى ويقول لا أحد هنا، كما أني أراك بالفعل. 
 

رد هاروكا بنبرة تَعجُب: إنه هناك بجانبك هل حقا لا تراه لكن لماذا أنا أراه؟!
 

خاف الصغير لأبعد حدوده، وكان الطفل يتلفت وينظر حوله بخوف، وبينما هو يتحقق ويصارع هذا الخوف، إذا به يسمع صوت قهقهة عالٍ لأحدهم وينطق له: أنت حقا مجرد طفل ههههه.
 

احمرت أُذُنا الفتى الصغير ووجه من شدة الانزعاج، كما لو سينفجرُ بعد قليل من الحرارة، وصرخ غاضبا في خجل: أتسخر مني؟!
 

فقط بعد أن قال هذه الجملة انفجرت عيناه بالدموع وبدأ يبكي، والدموع تخرج من عينيه لكن دون صوت كمن يَحبِس بكاءؤه لفترة ولكنه غير قادر.

في الحقيقة لقد اجتمعت أحداث الأمس مع سخرية أخيه ففاضت مشاعره.
 

ارتبك هاروكا كثيرًا وبدأ يقول " هي هل تبكي؟!  هل حقًا أنت تبكي"

وبدأ يفكر آه يا إلهي ماذا أفعل الآن؟ لقد دست على ذيل قطٍ مدلل"

وبدأ يفكر مرة أخرى: آه ماذا يجب أن أفعل الآن، ولكن في النهاية نادى أخاه بأسلوب حاد: هي أنت لا توجد أشباح هنا كانت مجرد مزحَة ألا تعلم ما هو ..؟

لم يكمل جملته بعد لكن كما لو أن الطفل لم يسمعه أساسًا فقد زاد بكاؤه فالبطبع هاروكا في النهاية هو مجرد أحمق عند التعامل مع المشاعر لم يعرف كيف يتصرف مع الأطفال يومًا، فبدلًا من توجيه العبارة كمواساة للطفل ألقاها عليه كعتاب.

استمر بكاء الطفل ولم يتوقف بينما الأخ يقول داخله.
 

بينما قال هذا في نفسه بدأت تومض فكرة غريبة في عقله: لما أخاف من معاملته بحنان يمكنني التظاهر بهذا فحسب في النهاية سيظل مجرد تظاهر أنا لست ضعيف إلى هذا الحد لدرجة أنني لا أستطيع فعلها، ردد في نفسه مرة أخرى قائلا: بالطبع بالطبع أستطيع فعلها لما لا ؟!
 

انخفض هاروكا وبدأ يمد يداه بهدوء واحتضن أخاه بلطف، تدلى شعره الأسود على كتف أخيه الصغير وربت عليه هامسًا له " لا بأس كايد لا تخف أعلم...، كان مزاحي ثقيلا"

 

بمجرد خروج تلك الكلمات من فاهِه، توقف نحيب الصغير على الفور وبدأ يبادله الاحتضان فحسب دون قول كلمة.
 

ما أوقف نحيب كايد في الحقيقة هو نطق أخاه لاِسمه فهذا حقًا حَدَثٌ نادر جدًا، فَاجَأَهُ ذلك وقَبِلَهُ كاعتذار.
 

بينما الصغير يفكر بهذا كان الكبير يقول في نفسه من الجيد أنه صمت وإلا فإني كِدتُ أعتذر.

تنهد بشدة وقال في نفسه كم هذا جيد.
 

في هذه اللحظة دخلت عليهم إمرأة بشعر أشقر طويل وبشرة نقية صافية مع عينان زرقاء تبدو حقا كإغواء ، كانت جميلة جدًا لكن رغم ذلك إنها لا تعرف معنى الوقت المناسب أبدًا.
 

لقد دَخَلَت وشَهِدَت تلك اللحظة النادرة بين الإخوة أرادت أن تصمت وتشاهد للأخير لكنها لم تستطع اِمساك نفسها فقالت مبتسمةً: ياله من مشهد نادر نحن بحاجة لتعليقه لوحة على جدار بيتنا حقا.
 

عندما سمع هاروكا صوتها أصابته سكتة قلبية حقا تمنى لو أن الأرض تبتلعه في هذه اللحظة، احمرت وجنتيه ووجهه بالكامل من شدة الإحراج، فحتى لو كان هذا مجرد تظاهر مازال الأمر مزعجًا بالنسبة له، كما أن الأخرين وخاصة تلك المرأة إنه لا يفهمون.
 

بينما هاروكا متجمد في مكانه قام الطفل وترك أخيه خلفه ونادى بصوت سعيد: أمي أمي أخيرًا أتيتِ.
 

ظل هاروكا متشنج في مكانه للحظات، لكنه قام في النهاية أيضًا ليحيِّيها بأدب مطأطِئًا رأسه: " مرحبًا بعودتك سيلفيا" 
 

ردت سيلفيا: أوه مرحبا بك.

بعد قولها هذا وكأنها تذكرت شيئا ما وقالت بابتسامة مائلة ومضايقة: لقد أصبحت كبيرًا هاروكا أصبحت تهتم بأخا...)

قاطعها هاروكا: أوه آسف سيلفيا تذكرت أن علي إنجاز أمر ما سريعًا وهمَّ بالمغادرة.
 

لكن سيلفيا نادته عندما كان على وشك الخروج من الباب فقالت: حسنا انتظر دقيقة، وأشارت في نفس الوقت على رقبته وقالت: هذه الآثار على رقبتك توقفت قليلًا ... وبعدها أكملت بصوت أجش حزين: هل عاد مجددًا؟!
 

رد هاروكا: "آممم" لكن لا تقلقي انا بخير.
 

صَعد هاروكا بسرعة إلى غرفته واتجه إلى المرآة ورأى الآثار الواضحة حول رقبته عَلِم لماذا كان أخاه الصغير يبكي بشدة، لقد كانت آثارًا بارزة وقوية شَكَّلَت طوقًا أحمرًا مسودًا حول رقبته، كان بارزًا جدًا على بشرته البيضاء كان كما لو أن أحدهم حاول خنقه فعلًا مما ولَّد هذه الآثار، وبينما كان يرى هذا أمامه، أصبح وجهه قاتمًا جدًا ونظر إلى نفسه باشمئزاز وشفقة متذكرًا سؤال سيلفيا، وقائلًا كرد عليها وهو ساخر من حاله: هل اختفى أساسًا لكي يعود.
 

أَحنَى رأسهُ وهو يصرخ بقوة في داخله من الألم، متى سينتهي هذا تمامًا؟؟ هل سأبقى هكذا إلى الأبد؟؟ لكنه تنهد في النهاية وقال بهمس: على الرغم من ذلك لقد تَحَسَّنتُ كثيرًا.
 

بمجرد خروج تلك الجملة من شفتيه نظر إلى نفسه في المرآة مطولًا، فخرج شريط الماضي أمامه وبدى كأنه يسترجع كل تلك المظالم التي عاشها فيه.

نعم لقد كان هاروكا هو من يُنفِّذ جريمة الخنق والانتحار على نفسه، لقد كان هو القاتل وهو الضحية في نفس الوقت. 
 

فلاش باك...

يتبع...
 

توضيح وملاحظة الكاتب: يقوم كايد بمناداةِ أخيه باسم هارو كنوعٍ من التَوَدُّد، بينما هاروكا لا ينطق اسمه أساسًا 😅.
 

بقلم: نورُ الظلام.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

5

متابعين

1

متابعهم

2

مقالات مشابة
...إخلاء مسئولية: جميع المقالات والأخبار المنشورة في الموقع مسئول عنها محرريها فقط، وإدارة الموقع رغم سعيها للتأكد من دقة كل المعلومات المنشورة، فهي لا تتحمل أي مسئولية أدبية أو قانونية عما يتم نشره.