
قضاء القدر: فارس البشرية وحُكم العشق في مملكة الجن
قضاء القدر: فارس البشرية وحُكم العشق في مملكة الجن
مقدمة:
يظل عالم الغيب والسلطة ميداناً خصباً للحكايات التي تمزج بين الرهبة والرومانسية، وبين محاولات الملوك للسيطرة على مصيرهم وحتمية القدر الذي لا يُرد. تنطلق حكايتنا من أعماق قصر ملك الجن المهاب، الذي تُزعجه نبوءة قادمة من عالم الأحلام، نبوءة تهدد عرشه وتحدي سلطته المطلقة: زواج ابنته "لولو الكواكب" من فارس بشري. على الرغم من سعي الملك اليائس لتفنيد الرؤيا بالاستعانة بالكهانة، التي تؤكد بدورها حتمية المصير، يجد الملك نفسه محاصراً بين خوفه على نفوذه وبين قوة لا يملك ردها.
تستعرض هذه القصة صراع الإرادات بين سلطة الحكم وبين نُبل الروح البشرية المتمثلة في الأمير نبيل، الذي انطلق مدفوعاً بنداء داخلي محض، وقلبه وحده دليله. إنها قصة تكسر الحدود الفاصلة بين العالمين، وتؤكد أن الشجاعة الحقيقية والصدق في العشق هما السيف الذي يقضي على الغدر والخيانة، حتى لو كان الخصم من صُلب الجن. فهل ينجح ملك الجن في تغيير ما كُتب، أم أن مصير ابنته قد حُسم بقضاء قدر لا مهرب منه ولا مفر؟

استيقظ ملك الجن من نومه مبكراً يحس بضيق وانقباض بعد ما رآه في نومه من أحلام أقضت مضجعه مذعوراً على تلك الصورة..
ارتفع صوته وهو ينادي على وزيره الحكيم الوديع فأسرع إليه وانحنى بين يديه وقال .
-لبيك يا ملك الزمان ..
أجابه وهو يرتعد .
-أجلس أيها الوزير .. لقد أصابني أثناء نومي كرب عظيم .
أجابه الوزير : لا بأس على مولاي الملك العظيم .. أكان حلماً ما رأيت ..
نظر إليه نظرة هائلة ارتعدت لها فرائضه وأدرك منها أن الملك غاضب أشد الغضب وقال:
-اسمع ما رأيت أيها الوزير ودبرني والويل لك إن لم تستطيع..
تماسك الوزير وقال بخضوع: تفضل لا مولاي وقص عليّ ما رأيته .
قال الملك:
رأيت فيما يرى النائم فارسا جميل الصورة على ظهر حصان بلون الليل على جبينه غرة بيضاء تضيء وكأنها القمر .. رأيته يتقدم داخل غابة عظيمة بالوحوش والحيوانات والصيد مليئة .. كان يفتش عن شيء باهتمام كبير..
وسكت الملك برهة ثم صرخ بغضب :
-أتدري عن أي شيء كان يبحث وينقب .. عن إبنتي لولو الكواكب ..
كان الوزير يصغى باهتمام فطالما الأمر يتعلق بالأميرة لولو فلن تهدأ ثائرة الملك وسيظل على هذا الهياج كالبحر المتلاطم الأمواج ..
لذلك قال بلباقة: يا مولاي العظيم .. كان صياد يغوص إلى الأعماق ويفتش عن درة متميزة ولؤلؤة ثمينة واللؤلؤة في حرز مكين .. فهل كل من فتش نال أو كل من غاص ظفر ؟
هدأت ثورة الملك قليلا ثم تابع سرد منامه .
-ورأيت ابنتي وكأنها تعاني من كرب عظيم وقد قيدت بالسلاسل والقيود وبالقرب منها وحش رهيب يحاول أن يفترسها فصرخت مستغيثة فإذا بالفارس الجميل يهتف بها ويقول :
ليبك يا ذات الصون … اطمئني فلن ينال منك هذا الملعون إلا كأس المنون ..
فال ذلك وجرد سيفه من غمده وانقض على الوحش الجبار ودار بينهما صراع مخيف كتب فيه النصر للأمير الشجاع وقضى على خصمه بضربة من سيفه بالبتار وألقاه على الأرض مجندلا ..
وتقدم الأمير من ابنتي لولو وحل عنها القيود وحطم الأغلال وحملها على ظهر حصانه وهي سعيدة به ..
وسكت الملك برهة ثم قال: - هذا هو المنام أيها الوزير .. إيا كان هذا الفارس صعلوك كان أو أمير .. كيف يجرؤ على حمل انتبي لولو وإلى أين ذهب بها وإلى أين كان المصير ..
قال الوزير الحكيم مهونا عليه ما ظنه هم عظيم.
- يا مولاي الملك .. إن ما رأيته في المنام لا يزيد عن كونه أضغاث أحلام .. فلا الأمير جاء ولا أميرتنا الجميلة غادرت جناحها في قصرك المعلق بين السماء والأرض ..
أجابه وقد عاوده غضبه
-أعلم هذا أيها الوزير ولكن يجب أن يكون لهذا المنام تأويل وتفسير ..
أجابه الوزير : إذن فلنحضر الكاهنة فهي لمثل هذه الأمور كشافة وبها عليمة ..
هدر الملك بغضب : إلى بها إذن فماذا تنتظر ..
غادر الوزير مجلس الملك وهو يحمد الله على النجاة من شر غضبه وأسرع إلى جناح الكهانة فوجدها في مكانها المعهود بين ألبوم والعقرب تطلق البخور وتنادي شياطين مرآتها تطلبهم بكشف المستور …
تقدم منها الوزير وهي عنه لاهية حتى وقف أمامها فتحرك عقرب ملعون وتهيأ للإنقضاض والهجوم فقالت: اصبر يا زؤوم فما جاءنا عدوا إنما إلى نصحنا يدوم ..
قال الوزير بلهفة : أيتها الكهانة البصيرة التي تعرف من الأمور كل كبيرة وصغيرة .. انقذي مولاي الملك من حال دوامها محال وإلا صال فينا وجال .. ضحكت الكهانة ضحكة ساخرة وقالت: اذهب إليه ودعه يأتي إلى هنا ليرى الأمير وهو في طريقه إلى مناه وأمله ورجاه ..
نظر إليها برعب وقال:
-أيتها الكاهنة .. إن ما تطلبينه محال وتنفيذه صعب المنال …
تطلعت إليه بعينيها الضيقتين بخبث ودهاء وقالت:
-قلت لك اذهب فإن شاء قدم وإن تعاظم ندم .. اذهب ولا تخاف وبلغه رسالتي فمنها سيعلم معتقدي وبغيتي ..
لم يسع الوزير إلا العودة إلى الملك ونقل رسالة الكهانة إليه وعلى عكس ما كان منتظر هب الملك من مكانه وسار برفقة وزيره وهو يتمتم ساخطا وإن كبت في صدره هديره ..
استقبلت الكهانة الملك المهاب بالإكبار والإعجاب وقالت:
اجلس أيها الملك إن شئت أن ترى الأمير ذو الوجه الوضاح الذي غادر الديار منذ أربعين صباح باحثا عن أميره في الحسن فريدة واسمها يتحلى به الملوك ..
صرخ الملك : - لولو .. تعنين ابنتي لولو ..
أشارت على مرآتها وقالت: - انظر إليه أيها الملك وتأمل ..
حدق الملك في المرآة فرآه تماما كما جاءه في المنام فقال:
أنه هو .. أنه هو ..
أجابته الكاهنة : أنه في الطريق لا ونيس ولا رفيق . وهو في النهاية الظافر .. فاعلم أيها الملك أن المكتوب ليس منه فكاك ولا هروب .. صرخ الملك بجنون أوضحي أيتها الكاهنة .. هل سيصل إلى بغيته وتصبح أميرتي زوجته .؟
أجابته وهي مبتسمة : نعم أيها الملك هذا أمر لا نقاش حوله فهو حكم القدر ..
ازداد هياج الملك وقال: - لن يكون هذا لن يكون .. سأقص قصتها على خطيبها وابن عمتها وهو كما تعلمين مهول يخشاه ويخافه حتى الغول ..
ضحكت الكاهنة ساخرة وقالت: أنه طبل أجوف إذا لطمته رددت الأجواء صداه وهيهات له أن يفوز بكنزنا الغالي التي به لا تحس وبشأنه لا تبالي..
***
كان الأمير نبيل وحيد والده الملك العادل الذي لأفضاله أطلق عليه الملك ذو الفضائل شابا بهي الطلعة فارس مغوار لا يهاب إلا الواحد الأحد ..
وأثناء نومه سمع هاتفا يهتف في أذنه : انهض أيها الأمير الرائع فلن يزين جبينك إلا لولو من الكواكب تستخلصه بسيفك ورمحك .. إنه بين الأخطار لا يعرف من الصادق ومن الغدار .. من أجلها ستدب في الأرض وتركب الأسفار ومن بين براثن الخائن تخلصها فأسرع إليها ولا تطيل أيام محنتها فأنت لها وهي لك .. أسرع إليها الأمير وقلبك وحده سيكون لك الدليل البصير ..
استيقظ الأمير نبيل من نومه مستغربا والكلمات لا زالت ترن في أذنيه .. أسرع إلى والده واستأذنه في الرحيل فنظر إليه مبتسما وقال :
- ذاهب لتأتي بلولو ؟ ولولو مكتوب اسمها واسمك في لوح القدر وما سفره القدر لا مهرب منه ولا مفر .. فاذهب في رعاية الله فالطريق طويل ولن يفيدك فيه لا خليل ولا دليل .. قلبك وحده هو دليلك وإلى حيث يقودك ستجد هناك مصيرها ومصيرك ..
وغادر الأمير قصر والده ممتطياً صهوة جواده وسافر في القفار وفي أرض لا زرع فيها .. فمن قفر إلى غابة ومن جبال إلى بحار .. ليل نهار يسيره جواده .. يتعيش من صيده وسيفه البتار يتدلى من حزامه مهيأ كالقضاء ليزود عنه الشر ولو حملته إليه عنقاء ..
ومر على رحيله ثلاثون يوماً وكان قد صادف في طريقه غابة ضخمة تموج بالحيوانات وخلالها تجري الأنهار والغدران ..
واختار لمبيته بقعة هادئة على ضفاف النهر وجلس مستنداً بظهره إلى جذع شجرة وارفة وكان يغلبه النوم على أمره لو لم توقظه جلبة تأتي من داخل الغابة فأسرع إلى جواده وامتطاه ودخل به بين الأغصان والأشجار واختفى يرقب ما سيصير ويده على مقبض حسامه تأهباً لكل احتمال بهذا أوصاه والده الحكيم ..
وانفرجت الأغصان الكثيفة عن عدة فرسان يتقدمهم فارس ذو هامة كبيرة وسحنة كشيرة وعلى خده شامة بصورة صقر ينقض على يمامة ..
أشار بيده فتوقف الفرسان وتطلع حوله وقال:
هنا تأتي الأميرة ومن ماء هذا النهر تداعب بجعاتها فيلتقطن من يدها الزاد والميرة اذهبوا وسأبقى في الانتظار وسأنالها زوجة بقوة واقتدار طالما بالإستنكار قابلت محبتي أنا فارس الفرسان الذي لا يعرف مثله إنس ولا جان ..
انسحب الفرسان وفي غمضة عين أصبحوا في خبر كان وبقي الأمير المهيب الذي صفق بيديه فاختفى حصانه عن ناظريه ورفع يدا قوية وتمتم بكلمات سحرية فاستحال إلى أفعى مرعب إذا زحف سمع لزحفه ما هو أدعى من الفحيح وخلف شجرة قريبة اختفى متربصا وصول الأميرة .
كان الأمير نبيل ينظر ويرى وهو دهش مبهور فقد أدرك أن الأمير المسحور يهدف إلى خسه ويضمر للأميرة السوء وأحس ويده قابضة على سيفه بأن صبره عليه أصبح حملا به ينوء …
لكنه تذكر كلمات والده قبل الرحيل عندما قال له تروى يا نبيل في كل أمر وإلا ساء المصير.. وصبر على مضض وهو حريص على مراقبته وهو رافع برأسه إلى السماء ثم يرخيها ويتأمل الماء والأمير نبيل حائر في تفسير حركاته حتى شاهده وقد أسرع وفي حضن النباتات اختفى بعد أن لاحت في السماء سبع بجعات بيض .. حمن فوق المكان وهبطن إلى الماء في أمان..
تقدمت بجعة من الشاطيء وعلى عنقها التفت حية صغيرة ما أن وطأت أرض الشاطئ حتى استحالت إلى حسناء كانت هي بعينها الأميرة ..
تطلع إليها الأمير مبهورا وبحسنها الخلاب بات مسحورا ولكنه فكر في الأمير الغادر الذي أعد لها بدهاء ذلك الكمين الماكر وقرر أن يحبط مسعاه ويذود عن الأميرة ولو لاقى المنية..
قالت الأميرة لبجعتها قد أن تلتفت حولها بحذر : - اخلعي عنك ريشك واقتربي مني فإن هاجسا في نفسي يحذرني أن خطرا مني قد اقترب ..
خلعت البجعة ثوب الريش فإذا بها حورية فاتنة يخجل من حسنها البدر ليلة تمامه .. قالت بصوت رخيم : مالنا والهواجس ونحن في مكان لا يعرف بخبره إنس ولا جان ..
إن كان تخوفك من وجه اللعين فهتو بعيد عنا ونحن منه في حصن حصين .. فهيا امرحي واسبحي وأخجلي البلابل والكروان بعذوبة صوتك الحلو الرنان.
وبالرغم من الكلمات الجميلة المطمئنة إلا أن الأميرة ظلت واجفة القلب متوجسة حتى صدق إحساسها فجأة ورأته ينتصب أمامها وهو يبتسم ابتسامة كريهة ومن عينيه أطلت نظرة غدر صريحة .. قال باستعلاء وتكبر :- ظننت أن سرك خاف غير معروف ؟ ألا تعلمين أنني القادر على كل شيء .. الخفي منه والمكشوف ..
كانت الأميرة ترتعد كالريشة في قلب عاصفة ولكنها لم تخشاه وهبت من مكانها واقفة وقالت بغضب -ماذا تريد مني ؟ انصحك ارحل وابتعد عني وإلا أبلغت أبي بأمرك وفضحت له نواياك وخستك وغدرك ..
استشاط غضبا وقال: - إنني لن أرحل إلا وأنت معي .. أما وعيدك وتهديدك فلن يغيرا من الأمر أو يبدلا من عزمي .. وتقدم نحوها فتراجعت مذعورة وهي تهتف وتولول وتقول :
-الموت أهون عندي أيها السفيه المغرور ..
ونضت خنجراً من حزامها وقالت: - إذا تقدمت خطوة أغمده في صدري ..
صرخ فيها بصوت كهزيم الرعد: - الق بهذا الخنجر من يدك وإلا أطرته بحد سيفي هذا ..
وهنا برز الأمير بدر الذي قفز إلى الأرض وسيفه مجردا في يده وتقدم منهما وقال:
- ما أحقر سيف يمتد بالأذى نحو امرأة .. جرب سيفك معي أياه الحقير ودع للأميرة حرية الاختيار وتحديد المصير .
استشاط الفارس ذو الشامة غضبا ورماه بنظرة تزلزل القلوب رعباً وقال: - من أنت أيها المأفون الذي سعى إلى حتفه وعانق المنون ؟ ألا تعلم من أنا ومن أكون .؟
كانت الأميرة تاج وبجعاتها السبعة وقد استحلن إلى سبع حوريات ينظرن إلى الأمير الجميل بإعجاب وهو يواجه اللعين غير وجل ولا هياب ورددت الأميرة لولو اسمه بحنان وقالت : أنت هو زائري في المنام . أنت تهو الأمير نبيل ..
جن جنون الفارس وتطاير الشرر من عينيه وانتهز فرصة حديثها مع بدر وبادره بهجوم مفاجئ لو لم يكن متنبهاً له لقضى عليه في لحظة .. ولكن الأمير نبيل كان يقظا واعيا فحاد ببراعة من طريق طعنته وواجهه بهدوء وقد شرع سيفه وقال:
يا لك من غادر جبان . لو كنت فارسا ما لجأت إلى مثل هذه الوضاعة ولكن صبرا ستتعلم مني الآن كيف تكون نهاية الحقارة .
واشتبكا في صراع مخيف أدرك معه نبيل أنه ينازل فارسا متمكنا عليما بفنون القتال كما أدرك الفارس الجني أن خصمه جبار عنيد وحتى يهزمه عليه أن يبذل في سبيل ذلك كل طاقة وكل جهد جهيد ..
وهمست إحدى البجعات وكانت تلك التي حملت الأميرة في أذن إحدى رفاقها كلمات قصيرة فتسللت مسرعة وفي ثوب ريشها اندست وانطلقت إلى السماء مسرعة.
وحمى وطيس القتال والأميرة تزداد إعجابا بالأمير نبيل وشجاعته ترتمي تحت قدميه وهي تولول قائلة:
مولاي الملك .. أدرك الأميرة ..
هب الملك مذعورا وقال ما بال الأميرة .. أليست في قصرها هانئة قريرة ..
قصت عليه الخبر وما كان من غدر الفارس والأميرة وكيف تدخل فارس غريب واشتبك معه في صراع وحرب مريرة ..
وفي الحال |أمر الملك بالجند وطار في قوة كبيرة والبجعة تقودهم حتى وصلوا إلى ساحة القتال وكان على أشده بعد أن نال من الفارس الخائن التعب وبدأت كفة الأمير نبيل ترجح..
أشار الملك إلى من معه واستحال إلى طائر صغير وطار إلى شجرة تطل على المتقاتلين … وأعجب ببراعة الأمير الشاب وأدرك أن الدائرة ستدور على الخائن الغدار وقد تحقق ظنه بعد حين عندما صوب له الأمير طعنه كان فيها القضاء المبين ..
التفت إلى الأميرة وقال: - يا ذات الحسن والبهاء يا أخت القمر .. هلا أرشدتني إلى الطريق لأعود بك في سلام وأمان إلى أهلك وذويك .؟
أعجب الملك بقوله وأدرك أنه شاب مخلص فقد أنقذ الأميرة ولو شاء لأرغمها على السير معه أسيرة ذليلة..
الخاتمة:
في نهاية هذا الصراع الملحمي، لم تكن قوة الجند أو حنكة الوزير هي من حسمت النتيجة، بل انتصرت بساطة النبل وصدق البصيرة. لقد تحقق المنام بالتمام، وثبتت حقيقة نبوءة الكاهنة التي أشارت إلى انتصار الأمير نبيل. اللحظة المحورية في القصة ليست فقط انتصار نبيل في النزال، بل هي لحظة إدراك الملك وتحوله؛ فبعد أن رأى براعة الأمير وإخلاصه في إنقاذ لولو دون استغلال موقفها، تلاشت غضبة الملك وحل محلها الإعجاب والاعتراف بالحق.
تُقدم هذه القصة درساً عميقاً في أن القوة الحقيقية لا تكمن في التسلط أو المنع، بل في الجوهر والشجاعة والوفاء للعهد. لقد أثبت الأمير نبيل أن قيمة الفرد تُقاس بـ "ما يفعل"، لا "مَن يكون"، ليصبح بذلك رمزاً لانتصار الإرادة الحرة والنبل الإنساني على الحقد والغدر والتعالي.
التوصيات المستخلصة من القصة (الدروس المستفادة):
قيمة البصيرة والتحليل الهادئ (درس للمسؤولين): على القائد أن يستمع إلى وزيره الحكيم (الوديع) والكاهنة البصيرة، وأن يتجنب اتخاذ قرارات متسرعة مبنية على الغضب أو الخوف، فالعواطف تحجب الرؤية الصادقة.
النبل جوهر القيادة: الجمال الحقيقي والقوة ليست في المظهر (كما كان يظهر الفارس الغادر)، بل في الجوهر والأفعال. القائد الشجاع والمخلص (الأمير نبيل) يدافع عن الضعيف ولا يستغل موقفه.
الثقة في الحدس الإنساني: اعتمد الأمير نبيل على "قلبه وحده" كدليل بصير، في حين اعتمدت الأميرة على "هاجسها" الذي حذرها من الخطر. القصة تشجع على الثقة بالحدس الداخلي والإحساس بصدق الآخرين.
حتمية القدر (القضاء والقدر): القصة تؤكد أن هناك مسارات مكتوبة لا يمكن للسطوة أو الغضب (حتى لو كان ملكاً من الجن) أن يغيرها. الأفضل هو الاستسلام للحكمة الكونية والتعامل بذكاء مع الواقع بدلاً من محاربته.