
"وردة سوداء" فتاة المافيا
الفصل الأول: دخان الحرائق لا يُخفي الندم
في أحد أزقة نابولي القديمة، وسط الحواري المتآكلة بالزمن والظلال، كانت تمشي بخطوات محسوبة، كأنها تعرف كيف تراقص الأرض دون أن تُصدر صوتًا. اسمها الحقيقي مريم، لكن في عالم المافيا، تُعرف بـ "لا فيورا نيرا" — الوردة السوداء.
ما حد يعرف بالضبط كيف بنت في عمر السبعة والعشرين وصلت لمكانها الحالي في "كوزا نوسترا"، الكل بس يعرف إن أي رجل رفع صوته عليها، إما صار تحت التراب... أو يتمنى يكون هناك.
في تلك الليلة، كانت تمسك ظرفًا صغيرًا داخل جيب معطفها الجلدي، عيناها تلمعان ببرود قاتل، وهي تعبر الشارع باتجاه مطعم فاخر مملوك للعائلة المنافسة.
المهمة بسيطة... رسالة.
لكن الكل يعرف إن "الرسائل" لما توصل على يد مريم، غالبًا ما يكون مضمونها رصاصة، وختمها صمتٌ أبدي.
دخلت المطعم بهدوء قاتل. العيون التفتت، النادل تجمّد، والموسيقى انخفض صوتها تلقائيًا كأن المكان بكبره يعرف إن في شيء جاي.
اقتربت من الطاولة الأخيرة حيث يجلس "أنطونيو روكّي"، ابن زعيم عائلة روكّي، رجل معروف بلسانه الطويل وطموحه اللي دايمًا يتجاوز حجمه.
وضعت الظرف على الطاولة أمامه، بابتسامة صغيرة تنضح سخرية:
"من العائلة... تحيات دافئة."
فتح الظرف، وقرأ السطر الوحيد فيه:
"احنا ما نهدد... احنا نقرر."
رفع عينه، لكن مريم كانت قد اختفت كما دخلت — بلا صوت، بلا أثر. فقط ظل خفيف بقي على الأرض، كأنها شبح.
في الخارج، أشعلت سيجارة، تنفست بعمق وقالت لنفسها:
"اللعبة بدأت."
لكنها كانت تعرف... إن الماضي عمره ما يموت، وإن لكل حرب ثمن، والثمن أحيانًا يكون أغلى من الدم.
الفصل الثاني: ذاكرة تحت الرماد
المنزل الذي وُلدت فيه مريم لم يعد موجودًا. احترق قبل خمسة عشر عامًا في حادث غامض، حمل معه والديها وشقيقها الأصغر إلى عالم لا عودة منه.
قالوا إنها نجت بمعجزة. لكن الحقيقة؟ لم تكن معجزة. كانت هي الناجية الوحيدة لأنها لم تكن هناك في تلك الليلة.
تلك الليلة كانت بداية النهاية... أو بداية شيء أسوأ بكثير.
أخذها عمها، رجل له صلات بالمافيا، وربّاها في الظل، علّمها القسوة قبل الحب، والرصاصة قبل العناق. لم تكن طفلة عادية، وكانت تملك شيئًا لا يمكن تعليمه: البرود.
في سن الخامسة عشرة، أُجبرت على تنفيذ أول عملية. لم تكن جاهزة... لكنها لم تتردد.
منذ ذلك اليوم، أصبحت شيئًا آخر. لا مريم، ولا حتى "الوردة السوداء"... بل مزيج مرعب بين الاثنين.
في الحاضر، عادت إلى مقر العائلة، قصر ضخم يختبئ في تلال نابولي. خلف الأبواب المصفحة، اجتمع كبار العائلة.
وقف لورينزو، زعيم العائلة، رجل شائب الشعر بعينين لا تشيخان، وقال بصوته العميق:
"روكّي لازم يعرف إنه عبر الخط الأحمر. اللي سواه البارحة في الميناء كان إعلان حرب."
مريم لم تجلس، اكتفت بإشعال سيجارتها والوقوف في الظل، كما اعتادت. ثم قالت:
"نقضي عليه قبل ما يقضي علينا."
السكوت ملأ الغرفة، والكل التفت نحوها. كلامها لم يكن اقتراحًا. كان قرارًا.
لورينزو ابتسم، وقال:
"ابنة أخي... عندها دم العائلة فعلاً."
وفي تلك اللحظة، كانت خطة الاغتيال قد بدأت تتشكل... في عقل مريم.
لكنها لم تكن تعرف، إن في مكانٍ ما... في مدينة أخرى، في قلب مظلم آخر، هناك من يراقبها.
يريدها.
ويعرف سرّها.