حين همست عيناك

حين همست عيناك

0 المراجعات

الفصل الأول: ما قبل المطر

كانت المدينة تغفو على أنفاس الخريف، والضباب يعانق النوافذ برقة عاشق خجول.

جلست "ليان" أمام المقهى القديم، نفس الطاولة، نفس الفنجان، لكنها لم تكن هي نفس الفتاة.

مرت سنة كاملة منذ أن غادر، ولم يترك سوى رسالة قصيرة:

“سأعود حين تُزهر الأشجار في شتائك.”

لكنها لم تفهم... متى يزهر الشتاء؟ ولماذا تركها يوم أحبّته أكثر من الحياة؟

رفعت عيناها، وفجأة... لمحته.

واقفًا عند زاوية الشارع، كما لو لم يمضِ يوم واحد. نفس النظرة، نفس الحضور الذي كانت تهرب منه إلى أحلامها كل ليلة.

اقترب ببطء، ثم همس بصوت مبلل بالمطر:

"أنا جاي أوفي وعدي... لو لسه مستنياني

في تلك اللحظة، لم تكن "ليان" تعرف هل تحتضن دموعها، أم تسأله لماذا عاد الآن؟

لكن كل ما كانت تشعر به هو أن قلبها ينبض من جديد، تحت مطر يشبه اللقاء الأول... والفرصة الأخيرة---

كانت "ليان" تحدّق فيه وكأنها لا تصدق أنه أمامها، من لحم ودم، لا طيفًا في حلم، ولا ظلًا في ذاكرة.

مرّ عام كامل وهي تحفظ ملامحه من صورة قديمة ورسالة غير مفهومة، والآن... ها هو يجلس أمامها، والمطر يشهد اللقاء.

مرت لحظة من الصمت، لكنها لم تكن فارغة.

كان الصمت بينهما مليئًا بالأسئلة، والدموع التي لم تُذرف، والليالي التي بكتها وحدها دون أن يعلم.

قالت بصوت خافت، وكأنها تخاف أن تنكسر أكثر:

“رجعت ليه؟”

أخفض عينيه قليلًا، ثم أجاب بهدوء:

“لأني ما نسيتك... ولا قدرت أكمّل من غيرك.”

تنهّدت، لكن قلبها لم يسمح لها بالتصديق بهذه البساطة.

“سنة كاملة تختفي، وترجع كده؟ جملة غريبة... ووعد أغرب.”

ابتسم ابتسامة حزينة، وقال:

"كنت مضطر أمشي... غصب عني، مش بإيدي.

في حاجات أكبر مني ومنك، كنت لازم أواجهها لوحدي."

رمقته بنظرة لا تخلو من العتاب:

“طب وأنا؟ ما كنتش أستحق أعرف؟ أستحق أختار أستنى أو لأ؟”

أمسك بيدها برقة، يده كانت دافئة رغم المطر، كأنها تقول: “لسه في أمل.”

قال بصدق:

“أنا ما رجعتش بس عشان أوفي وعدي... رجعت عشان أبدأ من جديد، لو لسه في مكان ليا جوا قلبك.”

سكتت للحظة.

كانت تموت شوقًا لأن ترتمي بين ذراعيه، لكن كبرياءها كان يقف كجدار.

نظرت للسماء، للمطر، ليده، ثم لعينيه.

وقالت أخيرًا:

“لسه في وجع... بس كمان، لسه في حب.”

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة