قصة العم مسعود

قصة العم مسعود

2 المراجعات

-"طاب صباحك عم مسعود " خاطبه عبد المجيد بابتسامة ودودة

=أجابه العم مسعود بابتسامة لطف “طاب صباحك أيضا يا عبد المجيد، كيف أخدمك اليوم؟”

- اجابه عبد المجيد: “رجاء أعطني هذا و ذاك”

=أومأ برأسه العم مسعود  وقال ثمنه 5 شيكلات

 دفع عبد المجيد المبلغ المطلوب وحياه وخرج.

 استمر الصباح نشطا بالزبائن مرة جارتهم سليمة و مرة جارهم فاضل وهكذا، حتى انتصف النهار، وقد كان متى ما شعر بعضة جوع اتجه الى الباعة القريبين منه واشترى طعاما ليأكله في متجره على حين غفلة،في تلك اللحظات كان يستمتع بطعامه قبل أن يقاطع جلسته زبون، نظر العم مسعود، إنه "عبد المحسن"!، رجل الموانئ والسفن، يسافر وقته كله ويأتي للقرية زيارة بين كل حين و آخر، حدث نفسه: "كم أنا محظوظ ليأتي لزيارة متجري، فيده سابغة العطاء!"، إلتمعت عيناه لدى تفكيره بهذا، وأسرع وابتسم له قائلا" أهلا يا عبد المحسن أهلا!"، 

-رد له الإبتسامة و أجابه" كيف هي احوالك يا مسعود؟"

= أجابه مسعود بوجه مبتئس وكأن جبلا من الهموم فوق رأسه"، نحمدالله على كل حال، نرجو من الله الستر فقط"،

 ابتأست ملامح عبد المحسن و رد بنبرة حزينة: "نرجو ذلك حقا، أريد قليلا من...." أخبره عبد المحسن بطلباته،

حضر العم مسعود طلبه وقال: " المبلغ 15 شيكلا".

ابتسم عبد المحسن وأعطاه 20 شيكلا وقال:" احتفظ بالباقي" التمعت عينا العم مسعود بالتقدير و العرفان و التأثر وشكره شكرا كثيرا، ما إن خرج عبد المحسن حتى زالت تلك الملامح عن وجه العم مسعود وبدأ يضحك ويقول: "هيهيهي، 5 شيكلات ليست بالثمن الهين أبدا، كم هو شخص معطاء يسهل خداعه" و وضعها بخزنة المال.

أمضى أيامه في متجره يعمل، و يجبي المال من هذا وذاك، في ذات يوم انتهى من عمله وعاد متأخرًا لمنزله، مع ظلمة الليل الحالكة كان بإمكانه رؤية منزله مضاءً، لقد كان واثقا أن ذلك الضوء من منزله فقد استعمل مصابيح صفراء خصيصًا لهذا السبب، أسرع يحث الخطى بإتجاه منزله، اقتحم الباب وصرخ بهم "لم المنزل مضاء!"، هرع نحو غرفة أطفاله ليصرخ بهم: "ما هذا!!، هل فقدتم عقولكم!!، لماذا ما زال التلفاز يعمل حتى هذا الوقت ولم المنزل مضاء حتى هذا الوقت؟!"، لم ينتبه لملامح وجهه المرعبة إلا عندما رأى ابنته الصغرى ترتجف، انتبه لنفسه، خرج مسرعًا و قال:"سأطفئ الكهرباء هيا اتجهوا لأسرّتكم" وبالفعل أسرعت الفتيات الصغيرات نحو أسرَّتهن و تكسوهنّ رهبة و صمت يضج بالخوف.

اتجه نحو ملحق أشبه بمخزن صغير تابع للمنزل، بداخله كان هناك جهاز كبير بأزرار ومفاتيح، أنار العم مسعود كشافه و حرك يده نحو أحد الأزرار و أطفأها فانطفأت الكهرباء في منزله كله، ثم عاد للمنزل، واتجه إلى حيث ينام، كان ينام في غرفة منفصلة خاصة به كانت بالأصل مخزنًا صغيرُا.

بعد بضع سويعات شعر العم مسعود أن الجميع نيام و قد عم الهدوء المكان، اتجه بهدوء و هو يمشي على أطراف أصابعه نحو غرف المنزل، مقلّبا مقلتي عينيه في الأرجاء كحرباء تبحث عن حشرة تبتلعها، حتى وصل للمطبخ، لم ينتبه لتلك العينان الصغيرتان اللتان كانتا تتابعان تحركاته بحذر من خلف العتمة.

دخل المطبخ و أضاء كشّافه، كان المطبخ فارغا إلا من قليل، أخذ يفتش ويقلب الأشياء بحذر، ويذكر أرقاما غريبة "ثلاثة، خمسة اممم ستة إذا!"ثم بدأ يعد الخبز ، "هناك واحدة اثنتان، ثلاث!"، خرج من المطبخ و هو يهمهم:" هذا ليس جيدا، ليس جيدا!"، اتجه إلى غرفته و أغلق الباب خلفه ثم أخرج المال من بين ملابسه و اخذ يعده على ضوء شمعته الصغيرة ،ثم اتجه نحو سريره أزاح الغطاء عن فراشه وأخذ يبحث عن ذلك الشق الصغير الخفي الذي أحدثه بنفسه، عندما عثر عليه، بدأ يضع النقود فيه بهدوء ورقة ورقة، حتى تمكن من إدخالها كلها في شق صغير، ثم أعاد إغلاق الفتحه بحيلة خفية يعلمها وحده، وأعاد كل شيء كما كان عليه وخلد للنوم.

جاء الصباح، ذات اليوم أخذ يتكرر، يجلس العم مسعود في دكانه طول اليوم، يعد نقوده ويخبّؤها، يحتضنها ويعيد عدها، يمضي اليوم بسلاسة، متى ما جاع أحضر طعاما وتناوله بخفية، كانت حياته مقبولة إلى حد ما، لكن لم يكن هذا هو الحال مع أسرته، أخذت (لجين)تهمس لأختها التي تكبرها:" لقد رأيته بالأمس يتسلل بين الغرف ويكرر تلك الأرقام مجددا!"، كان صوتها هامسا لدرجة أن أختها (سلمى) بالكاد سمعتها،أجابتها بذات النبرة الهامسة" يا إلهي!! هل قال شيئًا؟"، أجابتها أختها بملامح خائفة:" كلا لم يقل شيئا، كان الظلام حالكا لكن يمكنني أن أجزم بأنه لم يكن  راضيًا!" تبادلتا نظرات خائفة مهمومة، وعم بينهما الصمت.

كان يومًا عصيبًا مليئًا بالضيق كما توقعت الأختان. في تلك الآناء كان  العم مسعود في دكانه سعيدًا راضيًا، لقد تمكّن من توفير المزيد من المال، كلما كانت بطونهم فارغة كان جيبي مليئا! قالها بسعادة غامرة.

بقي العم مسعود يفكر ويقلب خططًا أخرى في رأسه لتدر عليه المزيد من المال.

كان خناقه يزداد على أسرته المسكينة، ازدادوا نحافة و ازداد هو سمنة، كان يشعر بأنه السيد الأعظم، يتحكم بهم كدمى مربوطة بخيوط خفية، يمنعهم مما يشاء و يرزقهم ما يشاء، شعر بعظمته و أن له سلطة لا متناهية عليهم، كان عليه أن يستغفر كل يوم ألف مرة كي يبعد عن ذهنه فكرة بدأت تتقافز و تراوده كثيرا وهي أنه إله في منزله!.

من جانبهم ازداد الخناق أكثر فأكثر كمن تحتضنه أفعى عملاقة وتعصره أكثر فأكثر، ما بين مرض و كآبة و جوع،

لقد تيقنوا تماما أن والدهم عبدٌ للمال بلا ريب!.

ذات ليلة عاد من دكانه و وجد الجميع نيام، دخل كشيطان يتسلل بخفة إلى المطبخ و اخذ يعد و يحسب كل شيء كعادته ثم عاد لغرفته، أخرج نقوده ليخبأها كالعادة، أخذ يفكر "يجب علي إيجاد مكان أكثر آمانا وذكاء لتخبئة مالي!، أخذ يتلفت حوله في أركان الغرفة محتارًا حين لمح قرميدًا بارزًا عن الجدار، اقترب منه وأخذ يزعزع القرميد حتى تمكن من إخراجه وتبعه بأربعة قراميد أخرى من أماكن متفرقة من الجدار، وأحدث مكانها فراغًا يمكِّنه من تخبئة ماله هناك، أخذ يقسّم الأموال رزمات متفرقة وكل رزمة خلف قرميد مختلف ثم أعاد وضع القراميد مكانها، وحفظ مكانها عن ظهر قلب، ثم نام لبضع سويعات قبل أن يحل الصباح ويتجه لعمله.

بدا مرهقا في عمله، كانت هذه فرصة رائعة ليظهر أمام زبائنه بأنه رجل شهم نبيل يتعب ليل نهار لأجل أسرته، يسعى ويضحي بعمره لأجلهم، كان بعض ممن عرفوه أبدوا تأثرهم وجال في خاطرهم أن"يا له من رجل مسؤول و حنون"، ودعوا له بالتوفيق و أن يعينه الله على المسؤولية الملقاة فوق عاتقه، شعر بنشوة كبيرة عندما بدأ الناس يتعاطفون معه ويمدحونه بما ما ليس فيه. استمر على تلك الحال لفترة ليست بوجيزة، حتى جاءت تلك الليلة !، خرج العم مسعود صباحًا لعمله كما العادة فقررت زوجته انتهاز الفرصة و نادت على صغيراتها اللاتي كن ينتظرن هذه اللحظة منذ الليل، بل ربما منذ ولادتهن، حملن حقيبة صغيرة بها بعض الملابس و خرجن جميعا، تحت ظل الشمس الحارقة وفي منتصف النهار سيكون الوضع أكثر أمانًا من خروجهن ليلًا، خرجن واتجهن غربا، ذلك النهار كان العم مسعود في متجره يعد نقوده ويفكر، لقد ازداد ربحه هذا الأسبوع اكثر من سابقه "ترى ما السبب!"، وكأنه بالأمر الخفي!.

اتجه مساء لمنزله، كان بإمكانه رؤيته مضاءً حتى قبل أن يصل إليه، هلعه المنظر وأخذ يسرع الخطى ليوبخهم و هو يقول هؤلاء الشياطين الصغار  لن يرتاحوا حتى يصيبوني بجلطة ما!، ركض مسرعا ودخل المنزل و هو يصرخ بهم ولكنه تفاجأ عندما وجد الغرف فارغة!.

وقف أمام باب منزله يتلفت لكن لم يجد أحدًا!، فجأة تحت أضواء الشوارع لمح أثر أقدامهم أمام المنزل، أخذ كشافه و أخذ يتبع الخطوات، كانت متجهة غربًا، تبع الخطوات لمسافة طويلة ولكن فجأة اختفى الأثر!، لم يكن هنالك المزيد منها!، تعجب لهذا فقد كان المكان مقفرًا يبعد عن القرية مسافة ساعتين تقريبا، لم يمهله الوقت فعاصفة رملية أخذت تعصف بقوة،قرر العودة للمنزل و الإنتظار حتى الصباح،  في الصباح أخذ ينادي على الجيران و الأصحاب "أنجدوني،لقد فقدت أسرتي!"، هرع له الجميع، بحثوا غربًا وشرقًا بأحصنتهم و حميرهم،استمر البحث ثلاثة أيام لكن دون فائدة حينها بدأ الناس يواسونه و أنه لا أمل في العثور عليهم!.

عاد للمنزل محتارًا، ولكن فجأة أخذ يقلب عينيه يمينًا ويسارًا و هو يفكر في فكرة عظيمة خطرت له!، لقد تخلص من عبء مالي!، شعر بالسعادة وحدث نفسه"سأتمكن من توفير المزيد!!"أخذ يتجول في المنزل سعيدا غير مصدق!

في الأيام التالية استمر في ذهابه للعمل واكتناز المال،بعد فترة كانت المخابئ في الجدار ممتلئة ولن تتحمل المزيد  فأخذ يخبئ بعضها في فراشه .

مضت أيام ومن ثم بضع سنين.

ذات مساء و هو جالس يتناول طعامه في غرفته، لمح فأرا يركض في الأرجاء،ثم في الأيام التالية لاحظ أن أعداد الفئران تزداد أكثر فأكثر، حاول طردها بكل ما استطاع لكنها كانت تعود وتتجمع حول بقايا الطعام في غرفته.حاول تتبع أحدها حتى رآه و هو يقفز نحو الجدار ثم اختفى!، تعجب العم مسعود قبل أن يستوعب الأمر، أسرع وفتح القراميد فلمح فأرًا يركض هاربا من المخابئ حيث كان يضع ماله!،بدأ جسده يرتجف،أخرج المال بيدان مرتعشتان وبدأ يعده فتفاجأ بورقة نقدية تملؤها الثقوب وبصمات من أسنان الفئران، ازدادت دقات قلبه و رمى بالورقة وأخذ يعد البقية ولكن.. لقد كانت وليمة فئران!، كانت الرزمة كلها مأكولة من قبلهم!، يبدو أنه لم يهنأ أحد بمال العم مسعود كما فعلت الفئران،

 أصيب بالذعر وهو يفتح بقية القراميد والنتيجة كانت واحدة، لقد أكلت الفئران ماله كله!. أخذ يصرخ بذعر و خوف وعن غير قصد اصطدم بالشمعة التي كان يوقدها مساء بدلًا عن الكهرباء فسقطت وبدأت تأكل نقوده الملقاة أرضا،اشتعلت النيران سريعًا، حاول اطفاءها بقدمه تارة ويديه تارة أخرى، اخذ يضرب الأرض بجنون كمن به مس، يصرخ ويضرب الأرض بقوة، بينما استمرت النيران بالإشتعال، كان حري به الهرب والخروج من الغرفة، فقد كانت النيران كشيطان مارد رُدَّت له الروح ولن يخمد أبدا!، تجمع الجيران وبدؤوا يطفئون النيران دلو ماء ثم آخر، سحبوا العم مسعود بقوة من الغرفة وأخرجوه بينما بقي يصرخ بذعر غير مدرك أين هو الآن، تمكنوا أخيرا من اطفاء النيران قبل بزوغ الفجر بقليل، كان العم مسعود مغشيًّا عليه، استيقط بعد بضع ساعات و وجد عبد المجيد أمامه، نظر إليه بعينين مرهقتان وقال:"ثلاثة..خمسة..ستة خبزات"!، تعجب من ذلك عبد المجيد، ولكن مسعود لم يمهله ليسأل بل نهض مترنحا مسرعا خارج المنزل رغم محاولات عبد المجيد لإيقافه.

بعدها علم الناس أن العم مسعود قد جن، يخرج نهارًا ويسير في الشوارع يهذي بحديث غريب و أرقام غريبة.

 لم يتمكن من فتح متجره مجددًّا، انتشرت الإشاعات بأن المتجر مسكون و هو سبب جنون العم مسعود!، بينما قال آخرون أن هنالك شيطانًا تراءى له في الليلة التي احترق فيها منزله، وهذا سبب جنونه، لم يعلم أحد حقيقة العم مسعود وحقيقة جنونه.

ذات مساء كان العم مسعود وسط مجموعة ناس في وسط السوق يتحدث بحديث غير مفهوم كعادته، اقترب منه عبد المجيد  وقال:"يا مسعود كيف حالك؟"، نظر إليه مسعود واستمر في حديثه الغريب، ابتسم عبد المجيد وقال:"مالذي تهذي به يا مسعود؟"، أجابه بعد وهلة مت الصمت:"أنا لدي كنز عظيم!"، تساءل عبد المجيد بسخرية:" أي كنز هذا؟ وأين هو؟"، أجابه مسعود" ثلاثة..خمسة..ثمانية"، كرر عليه عبد المجبد السؤال مرارًا حتى أجابه"إنه في الجدار، لكني لن اخبرك المزيد!"، “لماذا لن تخبرني بالمزيد يا مسعود؟، اجابه بجدية لا تحتمل المزاح:”كي لا يعلم بأمرها أطفالي الصغار ولا الفئران ولا النار!"، تحير عبد المجيد من جوابه وتفكر فيه وتيقن أن العم مسعود قد أصبح مجنونًا بلا رجعة، "ربما من شدة حزنه لفقد أطفاله!" تمتم لنفسه واقتنع بهذا التفسير، فالعم مسعود رجل حنون!.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

2

متابعين

3

متابعهم

2

مقالات مشابة