لما العيون تتكلم
حين اختارها الصدفة ولم تخزلها الايام
لم تكن "ليلى" تؤمن بالحب من النظرة الأولى، ولا بالصدف التي تغير مجرى الحياة. كانت تعيش بمنطق الواقع، وتزن كل خطوة بعقلها قبل قلبها. تعمل في مكتبة صغيرة على ناصية حي هادئ، وتجد راحتها بين صفحات الكتب.
في أحد صباحات الشتاء، دخل شاب إلى المكتبة. كان يبدو مرتبكًا، يحمل بيده ورقة مهترئة ومبللة من المطر، يبحث بها عن كتاب قديم. رفع رأسه نحوها وقال:
– “معلش، ممكن تساعديني؟”
ابتسمت بهدوء، وأخذت الورقة من يده، ثم نظرت إليه قائلة:
– “أنت بتدور على رواية نادرة جدًا… بس يمكن ألاقي نسخة منها في المخزن.”
ذهبت خلف الرفوف، وعادت بعد دقائق تحمل كتابًا غلافه باهت، لكنه سليم. نظر إليه بدهشة وقال:
– “مش مصدق… بقالي شهور بدوّر عليه.”
ضحكت ليلى وقالت:
– “الكتب بتختار أصحابها أحيانًا.”
رد بنبرة ممتنة:
– “أنا اسمي هيثم… وشكرًا على المعجزة الصغيرة دي.”
من يومها، لم يمر أسبوع إلا وزار فيه هيثم المكتبة. لم يكن يأتي بحثًا عن كتاب، بل عن صوت ليلى، وضحكتها، والطريقة التي تتعامل بها مع الكتب كأنها أصدقاء. كانت جلساتهما قصيرة في البداية، لكن مع الوقت أصبحت أطول، أعمق، وصار بينهما ما يشبه الصداقة التي تتحول ببطء لشيء أدفأ.
لم يكن حبًا عاصفًا، بل حب ناعم، هادئ، يتسلل كالشاي في البرد… يدفئ ولا يحرق.
في أحد الأيام، تأخر هيثم عن موعده المعتاد. انتظرته ليلى، ثم شعرت بالقلق. في المساء، وصلته رسالة منها:
– “المكتبة كانت فاضية النهارده… حتى الكتب كانت ساكتة.”
رد بعدها بدقائق:
– “كنت في مقابلة عمل مهمة. اتقبلت، بس في مدينة تانية.”
شعرت بشيء ينكسر في قلبها، لكنها كتبت:
– “مبروك… تستاهل كل خير.”
مرّت أيام دون أن تراه، لكنها كانت تتفقد باب المكتبة كل صباح. وبعد أسبوع، دخل عليها يحمل علبة قهوة وكتابين جديدين، وقال:
– “رفضت الوظيفة.”
– “ليه؟ كانت فرصة كويسة.”
– “علشان لقيت فرصتي هنا.”
تقدّم خطوة نحوها، وناولها كتابًا جديدًا عليه إهداء بخط يده:
“إلى من أعادت تعريف الصدفة في حياتي.”
ضحكت ليلى، وهي تقرأ، ثم رفعت نظرها إليه وقالت:
– “وأنا… لسه بقول إن الكتب بتختار أصحابها.”
– “وأنا اخترتك.”
ومنذ ذلك اليوم، أصبحت كل صفحة تقرأها تحمل اسمه، وكل صباح يبدأ بابتسامة جديدة لا تأتي من كتاب، بل من قلب بدأ يكتب فصله الأول مع هيثم.
---
النهاية.
