قصه غيمة وعطر
في عالمٍ بعيد، حيث تتراقص الغيوم على أنغام الرياح وتلمع الأشجار بأوراق من البلور، كانت هناك مملكة تُدعى "إيلورا"، لا تُرى إلا للقلوب النقية. في هذه المملكة، كانت تعيش فتاة تُدعى "ليارا"، تملك قدرة نادرة: كانت تتحكم بالغيوم، تُشكّلها كيفما تشاء، وترسلها برسائل لمن تحب.
ذات يوم، وأثناء نزهتها المعتادة فوق بحيرة الكريستال، لمحت ليارا سحابة غريبة الشكل تطفو على سطح الماء. اقتربت بحذر، لتجد أن السحابة تحمل رسالة مكتوبة بخطٍ غير مألوف: "أنا هنا... منذ زمن، أراقبك من خلف الضباب."
ارتجف قلبها. لم يكن أحد يعلم عن قدرتها على التخاطب عبر الغيوم. من يكون هذا الغريب الذي يعرف سرّها؟
في الليلة التالية، ظهرت نفس السحابة في نافذتها، لكن هذه المرة كانت تحمل وردة من نور، وعطراً خفيفاً أشبه بنسيم البحر. لم تنم ليارا تلك الليلة، فقد علِمت أن هذا ليس مجرد عابر غيوم، بل شخص يعرف كيف يلمس قلبها دون أن يراها.
في الأيام التالية، صارت السحابة تزورها يوميًا، تحمل معها رسائل، أحيانًا أشعارًا، وأحيانًا خواطر عن الحياة والوحدة والجمال. وقعت ليارا في حب هذا الصوت الخفي، هذا "الهواء العاشق" الذي يسمعها دون كلام.
قررت أن ترد، فشكّلت من الغيوم قلبًا كبيرًا، وسطه رسالة: "من أنت؟ ولماذا قلبي صار ملكك؟"
وصلها الرد مع أول شعاع فجر: "أنا نوفان، من مملكة الظل، حيث لا تُشرق الشمس، لكنك أضأت عالمي. كنت أحلم بك منذ ألف عام، والآن أنت هنا، تُحيين ما مات داخلي."
لكن الحب في "إيلورا" لا يمر دون اختبار. فقد حذّرها حكماء المملكة من أن نوفان ينتمي لعالمٍ لا حياة فيه، وأنه إذا اجتمع بها جسديًا، ستخسر قواها إلى الأبد.
وقفت ليارا أمام الخيار الأصعب: أن تبقى قوية ووحيدة، أو أن تختار الحب وتفقد ما يميزها.
وفي ليلةٍ تلامس فيها القمر مع وجه الماء، اختارت أن تراه. ظهرت له، وبدت كأنها خرجت من حلم طويل. اقترب منها، ولمس يدها، وفي لحظة، تبدّدت غيومها، وذاب نورها في حضنه.
لكنه لم يدعها تفقد كل شيء. فقد أخذ حبها، ونفخ فيه روحًا، فامتلأت مملكة الظل بالضوء لأول مرة. أما هي، فصارت وردة عطرية لا تذبل، تعيش على نافذته، ترقص على نسمات كل صباح.
ومنذ ذلك اليوم، كل من يمرّ بمملكة الظل، يشم عطراً لا يُشبه شيئًا في الدنيا... ويقولون إن من يشمه، يقع في حبٍ لا ينسى.
