السماء لا تتسع لنا -الفصل الحادى عشر (الكاتبة علا إبراهيم)

السماء لا تتسع لنا -الفصل الحادى عشر (الكاتبة علا إبراهيم)

Rating 0 out of 5.
0 reviews

الصدمة استولت على روما، لم تفهم في البداية ما قاله، وظنّت أنها لم تسمعه جيدًا.

“أيوه يا فاروق... هتتجوز سيدرا الأسبوع الجاي!”

لكن فاروق ضاق ذرعًا بالضغط والأسئلة الكثيرة، وهو لا يحتمل هذا النوع من المواجهات، خاصة من خالته.

قال بصوت بارد، دون أن يلتقي عينيها:

“أنا اتجوزت البنت أروى... اللي كانت شغالة هنا.”

كادت روما أن تقع من طولها، وكأن قدماها لم تعودا قادرتين على حملها.

صاحت بذهول، مكرّرة كلماته، لعلها فهمت خطأ:

“اتجوزت مين؟... أروى؟!”

ولما لم تجد ردًا، هرعت تمسكه من ياقة قميصه، تهزه، والدموع توشك أن تسقط من عينيها.

"اتجوزت من غير ما تقولّي يا فاروق؟!

واتجوزت مين؟!

خدامة؟!"

أمسك فاروق يديها، أبعدها عنه بهدوء، وهو يحاول تهدئتها، ثم قال:

“اهدّي بس... واعرفي أنا اتجوزتها ليه.”

بعد أن حكى لها كل ما حدث، كان وجه روما مثل النار المشتعلة، توترها ظاهر بوضوح، تتحدث بلا توقف وبقلق شديد:

— “هنعمل إيه؟ هنعمل إيه يا فاروق؟”

من عادة روما أن تعود لفاروق دومًا وتأخذ برأيه قبل اتخاذ أي قرار. لكنها هذه المرة، ما دار في عقلها لم يكن مجرد رأي… كان حكمًا نهائيًّا. لم تكن لتسمح لابن أختها الوحيدة أن يتورّط مع فتاة خادمة، تراها بعينيها المحتالة، ولا شيء غير ذلك.

قالت بإصرارٍ، وكأنها اتخذت قرارًا لا رجعة فيه:

— “إحنا نكلم أبو سيدرا وتتجوزوا بكرة… والبنت الشغالة دي تتطلّق برضه بكرة الصبح!”

كان فاروق جالسًا بأريحيّة على الأريكة بجوارها. وعندما سمع قرارها، اعتدل تلقائيًا، وكأنّه تلقّى صدمة منطقية لا يقتنع بها.

قال بنبرة غير مقتنعة:

— “إنتي بتقولي إيه؟! هو إيه اللي بكرة تتطلّق وتتجوز؟!”

أجابت روما بتأكيد، وهي تنظر في عينيه بثبات:

— “أيوة، زي ما بقولك كده يا فاروق. خلاص، مفيش وقت. البنت دي مش بعيد تطمع فيك… ومتعرفش تتخلّص منها!”

ورغم برود ملامحه، أكملت روما باستفهام أقرب إلى الاتهام:

— “تقدر تقولّي إزاي راحت معاك البيت؟ وإزاي مضَت على ورقة الجواز؟”

حينها، تذكّر فاروق كيف خدعها… جعلها توقّع دون وعي، خذل ثقتها فيه، ولم يجد ما يرد به.

السماء لا تتسع لنا 

image about السماء لا تتسع لنا -الفصل الحادى عشر (الكاتبة علا إبراهيم)

تابعت روما بحدة:

— “وراحت تاني يوم للظابط علشان تخليك تعترف إنك اتجوزتها! البنت دي مخططة لكل حاجة!”

تنهد فاروق بعمق. لا يعلم أي حفرة أوقع نفسه فيها. ضغط شديد، ومأزق لا مهرب منه.

فجأة، التقطت روما الهاتف من جوارها.

تساءل فاروق بسرعة وهو يراها تمسكه:

— “بتعملي إيه؟”

أجابت بوضوح دون تردد:

— “هَرَن على أبو سيدرا.”

صُدم فاروق، ونظر إلى ساعته.

— “دلوقتي؟ الوقت متأخر! الناس تقول إيه؟”

— “يقولوا اللي يقولوه، أنا مش هسيبك تلبس لوحدك!”

قالتها بانفعال قاطع.

لم يتحمّل فاروق أكثر. نهض وصعد إلى الأعلى… يريد أن يختلي بنفسه. يريد حريّته، تلك التي كادت أن تُسحب منه في هذين اليومين.

لكن ما أزعجه لم يكن فقط ضغوط الزواج أو الطلاق… بل شيء آخر. لمَ انزعج من فكرة أنه سيُطلّق تلك الخادمة؟ أليس هذا هو القرار المنطقي؟

ولِكنة شعر بالراحة عندما علم أنه سيتزوج سيدرا

ولكن طلاق الخادمة التى لم يرى منها شئ… تلك المطيعة التي تُريح عقله، والتي لا تُجيد افتعال الدراما.

ما به؟

ما هذا التفكير؟

ظل يتقلب في فراشه، لا يعرف للنوم طريقًا من كثرة التشتت. كلما أقنع نفسه بأن ما يحدث هو الأنسب… يعود ويتردد. ماذا لو اكتشفت سيدرا زواجه من أروى؟ ماذا لو تركته؟ وماذا إن بقى محتارًا بين اثنتين؟

في الجهة الأخرى…

كانت سيدرا تجلس في غرفتها، تمسك بالهاتف، تحاول الاتصال مرارًا… لكنه لا يُجيب.

أغلقت الهاتف فجأة، ونهضت. والداها اتفق مع السيدة روما —بإذن من السيد فاروق— على تعجيل موعد الزفاف.

وحبيبها… صديقها من أيام الجامعة، من وعدها بالزواج، بأن تكون له وحده… لا يُجيب على الهاتف؟

هل تنتظر أكثر؟ بالتأكيد لا.

فمن عادة سيدرا أنها قوية، جريئة… لا تخشى شيئًا.

ارتدت ملابسها بسرعة، خرجت من القصر، وصعدت إلى السيارة. خلف المقود كان يجلس رمضان، رجل في الثلاثين من عمره، صديق قديم لفاروق، وكان يعمل لديه ولدى والده من قبل. فاروق لا يعامله كسائق، بل كصديق.

انطلقت السيارة.

توقّف رمضان أمام حديقة كبيرة، واسعة، وعلى جانبيها زرع كثيف.

نزلت سيدرا دون أن تنطق بكلمة… مشت سريعًا، يبدو على وجهها الغضب والحزن.

اختفت عن نظر رمضان.

نزل هو الآخر من سيارته، انتظرها…

لكنها لم تأتِ.

الكاتبة :علا ابراهيم

بينزل فصل جديد إن شاء الله كل يومين متابعة للحساب هنا 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

12

followings

0

followings

0

similar articles
-