
بين قلبين ونبضة واحدة
كانت "ليلى" تمشي بخطوات هادئة في ممر الجامعة، تحمل في يدها كتبها وتطاردها أفكارها. شعرها البني الناعم يتراقص مع كل نسمة، وعيناها العسليتان تلمعان كأنهما مرآتان تعكسان ضوء الشمس. ملامحها كانت خليطًا بين البراءة والأنوثة، بشرتها الفاتحة كزهرة بيضاء، وابتسامتها التي تظهر قليلًا من غمازتيها كانت كفيلة بإرباك أي قلب.
تعرفت أول مرة على "آدم" في مكتبة الجامعة. كان يقف بجوار رف الروايات، يحمل كتابًا لغسان كنفاني، وعيناه الرماديتان الواسعتان تتأملان الغلاف بتركيز. كان طويل القامة، عريض الكتفين، شعره الأسود المصفف بعناية يضفي على مظهره وسامة خاصة. حين التقت عيناه بعينيها، ابتسم ابتسامة دافئة، وقال بصوت منخفض:
– “هل تبحثين عن كتاب معين؟”
ارتبكت، وتلعثمت قليلًا قبل أن ترد:
– “كنت أبحث عن… عن كتاب نزار قباني.”
ضحك آدم بهدوء، وساعدها في إيجاده. من تلك اللحظة، أصبح وجوده في حياتها طبيعيًا، يشاركها فنجان القهوة الصباحي وأحاديث عن الشعر والحياة.
أما "يوسف"، فقد دخل حياتها بطريقة أكثر درامية. كان ذلك في يوم ممطر، حين تعطلت سيارتها على طريق الجامعة. توقفت سيارة فاخرة بجانبها، وخرج منها شاب بملامح حادة وعيون سوداء عميقة، تنطق بالقوة والغموض. كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا، وصوته العميق يحمل نبرة آمرة حين قال:
– “ركبي، لا يجب أن تبقي هنا.”
ترددت، لكنه لم يترك لها مجالًا للرفض، فتح لها الباب وابتسم ابتسامة صغيرة لكنها مليئة بالثقة. لاحقًا عرفت أنه ابن أحد رجال الأعمال، وأنه معتاد على أن يأخذ ما يريد دون تردد.
مرت الأيام، وأصبح قلبها بين رجلين مختلفين كليًا: آدم، الذي يحيطها بالهدوء والأمان، ويوسف، الذي يشتعل حبًا فيها كالنار ويشعل قلبها بتملكه وغروره.
في إحدى الليالي، كانت ليلى تستعد لعرض مسرحي في الجامعة. كانت ترتدي فستانًا أبيض طويلًا ينساب برقة على جسدها، وشعرها منسدلًا على كتفيها. خلف الكواليس، جاء آدم ليهمس لها:
– “أنا هنا، وسأظل دائمًا هنا… لا يهم من حولك، قلبي لك.”
ابتسمت بخجل، وقلبها يخفق، لكن قبل أن ترد، جاء يوسف فجأة، يمسك بمعصمها بقوة جعلتها ترتجف. اقترب منها حتى شعرت بأنفاسه الساخنة تلامس وجهها، وقال بحدة:
– “لن أسمح لأحد بأن يأخذك مني، حتى لو اضطررت لتدمير العالم.”
كانت عيناها تتنقل بينهما، أنفاسها تتسارع، ووجنتاها تحمرّان. حاولت التحدث لكن الكلمات علقت في حلقها. فجأة، شعرت بدوار شديد، والأضواء أمامها بدأت تتلاشى. آخر ما رأته كان وجه يوسف القلق ويد آدم التي امتدت لتحملها قبل أن تسقط أرضًا.
استفاقت بعد دقائق في غرفة خلف المسرح. آدم يجلس بجوارها، يمسك يدها بلطف، ويوسف واقف قرب الباب، عيناه تقدحان شررًا من الغيرة. حاولت الجلوس، لكن آدم قال:
– “اهدئي، أنتِ بحاجة للراحة.”
قاطعه يوسف بصوت حاد:
– “أنت السبب! أنت دائمًا حولها، لكنك لا تستطيع حمايتها.”
رد آدم بهدوء، لكن بنبرة واثقة:
– “الحب ليس ملكية، يوسف. الحب أن تدعها تختار.”
شعرت ليلى أن قلبها يكاد ينفجر، دموعها انسابت بصمت. كانت تحب آدم لطهره وهدوئه، لكنها كانت تذوب أمام نظرات يوسف التي تحمل وعدًا بالحماية مهما كان الثمن.
مرت لحظات صمت ثقيلة، قبل أن تقول بصوت مرتعش:
– “أنا… أحتاج وقتًا.”
اقترب يوسف منها قليلًا، عيناه تلينان للحظة:
– “خذي وقتك، لكن تذكري… أنا لن أرحل.”
أما آدم، فاكتفى بابتسامة حزينة، وهمس:
– “سأنتظر، مهما طال الانتظار.”
خرج الاثنان، وتركا ليلى وحيدة مع قلب يخفق بجنون. في تلك اللحظة، أدركت أن اختيارها لن يكون مجرد قرار، بل معركة بين الأمان والنار… بين همس الحب وصرخة التملك.