
قصة حب تحت المطر
قصة حب تحت المطر
في مدينة صغيرة يكسوها هدوء المساء، كانت "ليلى" تسير وحدها في الشارع المبلل بمطر خفيف، تمسك كتابًا تحاول أن تحتمي به من قطرات المطر التي تنساب كأنها موسيقى هادئة من السماء. كانت تحب المطر منذ طفولتها، لكنه في تلك الليلة حمل معها شعورًا مختلفًا، شعورًا بالانتظار، وكأن قلبها يعرف أن شيئًا مميزًا سيحدث.
على بُعد خطوات، كان "عمر" يخرج مسرعًا من المقهى بعد أن أنهى لقاء عمل متعب. لم يكن من هواة المطر، لكنه حين رأى المطر يتساقط، شعر برغبة غريبة أن يتوقف قليلًا وينظر إلى السماء. وبينما هو يرفع عينيه، لمح ليلى تمر بخطوات هادئة، تحمل كتابها وتحاول حماية نفسها من البلل. لم يعرف لماذا جذبته ملامحها، ربما لبراءتها، أو لشيء أعمق لا يُفسَّر بالكلمات.
اقترب منها وهو يعرض عليها مظلته قائلاً بابتسامة:
– "تحبي تشاركي المظلة؟ واضح إن الكتاب مش كافي."
رفعت ليلى عينيها إليه بدهشة، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة حيية:
– "شكرًا… هو فعلاً الكتاب مش نافع، بس أنا بحب المطر."
سارا معًا في صمت قصير، لم يكسره سوى صوت المطر فوق المظلة. شعر عمر أنه يعرفها منذ زمن بعيد، رغم أنه يراها لأول مرة. أما ليلى، فبداخلها ارتجافة لم تشعر بها من قبل، وكأن المطر هذه المرة جلب معها بداية جديدة.
بعد دقائق من السير، حاول عمر فتح حوار:
– "تحبي الكتب؟"
– "جداً… الكتاب ده بالذات بحبه قوي."
– "إيه اسمه؟"
– "أجنحة الحب."
ابتسم عمر وكأن القدر يرسل له إشارة، فقال:
– "يبدو إن الاسم مناسب للموقف ده."
ضحكت ليلى بخجل، ومنذ تلك الضحكة شعر عمر أن قلبه وجد شيئًا كان يبحث عنه منذ سنوات.
مرّت الأيام، ولم تكن صدفة المطر هي الأخيرة. كان هناك دائماً ما يجمعهما: في المكتبة، في نفس المقهى، أو حتى في محطات الحافلات. كل لقاء كان يترك في القلب أثرًا أعمق من الذي قبله.
بدأت صداقتهما تنمو، ثم تحولت شيئًا فشيئًا إلى علاقة خاصة يملؤها اهتمام بسيط لكنه صادق: رسالة صباحية، كتاب جديد يوصي به أحدهما للآخر، أو كوب قهوة يُترك على الطاولة في انتظار من يحبه.
لكن ككلقصة حب، لم يكن الطريق سهلاً. فقد كان لعمر فرصة عمل في الخارج، حلم ظل يطارده لسنوات، بينما ليلى كانت مرتبطة بمدينتها، بعائلتها وبحياتها هنا. حين أخبرها عمر بالأمر، ساد الصمت طويلًا بينهما.
قال عمر بصوت متردد:
– "أنا محتار يا ليلى… السفر حلم حياتي، بس إنتي… إنتي بقتي أهم من أي حلم."
أجابت وعيناها تلمعان بدموع حائرة:
– "وأنا مش عايزة أبقى سبب في إنك تسيب حلمك. الحب الحقيقي مش بيقف في طريق الأحلام، عمر."
كان القرار صعبًا، لكنه اختار أن يسافر. ليلة سفره، التقى بها تحت نفس المطر الذي جمعهما أول مرة. وقف أمامها ممسكًا حقيبته، بينما قطرات المطر تتساقط على وجهيهما، وقال:
– "وعد… مهما بعدت المسافات، قلبي هيفضل معاكي."
ابتسمت ليلى رغم الدموع:
– "وأنا هستناك، مهما طال الغياب."
مرت الشهور، وكان بينهما تواصل دائم، رسائل طويلة، مكالمات تمتد حتى الفجر. لكن المسافة لم تكن سهلة، وفي بعض الليالي كان الحنين يثقل قلب ليلى حتى تبكي وحدها. أما عمر، فكان يعمل بجهد مضاعف، لا لشيء سوى ليعود يومًا وهو يملك القدرة أن يمنحها حياة أجمل.
بعد عامين من الغياب، عاد عمر إلى مدينته دون أن يخبرها. أراد أن يمنحها مفاجأة، أن يرى الدهشة في عينيها كما رآها أول مرة تحت المطر. وبالفعل، في مساء بارد، انتظرها أمام نفس المكتبة حيث اعتادا اللقاء.
حين خرجت ليلى، رفعت رأسها ورأته واقفًا يبتسم، يحمل نفس المظلة القديمة. تجمدت في مكانها، لم تصدق عينيها، ثم جرت نحوه لتحتضنه، وهي تهمس:
– "كنت واثقة إنك راجع."
ضحك عمر وقال:
– "أنا وعدت… وأنا عمري ما أخلف وعد."
ومنذ تلك اللحظة، بدأت قصة جديدة، أقوى من أي مسافة، وأجمل من أي حلم. قصة كتبتها قطرات المطر، لكنها عاشت في قلوبهم إلى الأبد.