العالم الذي جعل من الموت حياة ومن الحرب سلاماً

العالم الذي جعل من الموت حياة ومن الحرب سلاماً

0 reviews

ألفرد نوبل: العالم الذي جعل من الموت حياة ومن الحرب سلاماً

يُعد ألفرد نوبل واحداً من أبرز العلماء والمخترعين في القرن التاسع عشر، فهو الرجل الذي إرتبط أسمه بالسلام والجوائز العلمية والفكرية المرموقة ، على الرغم من أن حياته العلمية بدأت بإبتكار مادة تُستخدم في الحروب . 

ولد نوبل في 21 أكتوبر عام 1833 في مدينة ستوكهولم بالسويد ، ونشأ في أسرة مهتمة بالعلم والهندسة   حيث كان والده إيمانويل نوبل مهندساً ومخترعاً عمل في تطوير الألغام البحرية وصناعة الأسلحة ، وقد أثّر هذا الجو العلمي على شخصية ألفرد منذ طفولته ، فكبر وهو مولع بالكيمياء والفيزياء . 

 إنتقل نوبل في شبابه إلى عدة دول أوروبية ، منها “ روسيا وألمانيا وفرنسا ”  حيث تلقى تعليماً مميزاً ، كما أتقن عدداً من اللغات الأجنبية ، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية ، إلى جانب لغته الأم السويدية .، هذا التنوع الثقافي ساعده على الإنفتاح على مدارس فكرية مختلفة ، وأكسبه خبرة واسعة في ميادين العلوم التطبيقية.

أشهر إنجازات نوبل كان إختراعه لمادة الديناميت عام 1867، والتي جاءت بعد سلسلة من التجارب على مادة النيتروغليسرين شديدة الإنفجار ، فقد أراد نوبل أن يجعلها أكثر أماناً وسهولة في الاستخدام ، فتمكن من تثبيتها بمواد صلبه ، الأمر الذي جعلها ذات فاعلية كبيرة في أعمال الحفر وشق الطرق وتفجير الصخور،  ورغم أن هدفه الأساسي كان خدمة البشرية وتسهيل المشاريع الهندسية ، إلا أن الديناميت استُخدم لاحقاً في ميادين الحرب ، مما سبب له شعوراً عميقاً بالذنب.

في عام 1888 وبعد وفاة شقيقه لودفيغ نوبل ، نشرت إحدى الصحف الفرنسية عن طريق الخطأ نعيًا بعنوان  " تاجر الموت قد مات " في إشارة إلى ألفرد نوبل نفسه .                                                       هذا المقال كان نقطة تحول في حياته ، إذ دفعه للتفكير في الصورة التي سيتركها وراءه بعد رحيله. فبدأ يخطط لإرث مختلف يعكس قيمته الحقيقية ويُظهر الجانب الإنساني في شخصيته.

في وصيته الشهيرة التي كتبها عام 1895، خصص نوبل معظم ثروته لإنشاء جوائز سنوية تُمنح للأشخاص الذين يقدمون أعظم الإنجازات في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام ، وأُضيفت لاحقاً جائزة الاقتصاد. وقد كان هدفه من ذلك أن يخلّد ذكره ليس كمخترع لمادة مدمرة ، بل كداعٍ للعلم والتقدم والسلام.       

توفي ألفرد نوبل في 10 ديسمبر 1896 في مدينة سان ريمو الإيطالية ، وترك وراءه ثروة ضخمة قُدرت بحوالي 31 مليون كرونة سويدية ، جرى إستثمارها لتأسيس مؤسسة نوبل التي لا تزال قائمة حتى اليوم ، وتُعتبر جوائزها أرفع تكريم يمكن أن يناله العلماء والأدباء ودعاة السلام في العالم .

إن إرث ألفرد نوبل يعكس المفارقة بين العلم واستخدامه ، فبينما يمكن أن تُستغل الإكتشافات في التدمير ، فإنها في الوقت نفسه قادرة على بناء حضارة إنسانية راقية. 

قصة ألفرد نوبل تحمل درسًا بليغًا عن المسؤولية الأخلاقية للعلماء والمخترعين، وعن إمكانية تحويل الندم إلى إنجاز إنساني خالد. لقد أدرك نوبل أن قيمة الإنسان الحقيقية لا تقاس بما يملك من ثروة أو اختراعات، بل بما يتركه من أثر إيجابي للبشرية. واليوم، تظل جائزة نوبل رمزًا للأمل والتقدم، وتأكيدًا على أن إرث الخير قد يولد من رحم الخطأ.

يمكن القول إن ألفرد نوبل جسّد في حياته التناقض بين العلم والإنسانية، وبين الاختراع الذي يخدم التقدم والاستخدام الذي قد يجرّ الدمار. لكن ما يميزه حقًا أنه لم يستسلم لصورة "تاجر الموت"، بل سعى ليترك للعالم إرثًا مختلفًا يجمع بين السلام والعلم والإبداع. فجائزة نوبل التي أنشأها بوصيته أصبحت رمزًا عالميًا لتكريم العقول التي تخدم البشرية. وهكذا يظل نوبل مثالًا على أن قيمة الإنسان الحقيقية لا تقاس بما يملكه، بل بما يقدمه للبشرية من أثر نافع وخير باقٍ.

إنتظروا القادم

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

3

followings

3

similar articles