
حين يجبر قلب قلبا اخر.
حين يُجبر القلب قلبًا آخر
في صباح رمادي، بينما كانت الحافلة العامة تمضي ببطء وسط شوارع المدينة، جلس الشاب ياسين في المقعد الأخير، ينظر من النافذة بعينين شاردتين، وقلب منهك من همّ ثقيل.
أمس فقط، تم رفضه للمرة الثالثة في مقابلة عمل، وبعد سنوات من الدراسة، بدأ يشعر أن جهوده لا تجد طريقًا للنجاح.
في المحطة التالية، صعدت امرأة في منتصف العمر تُدعى ليلى، تحمل حقيبة تسوّق بسيطة، وتبدو عليها ملامح التعب، لكنها كانت تبتسم للناس برقة. جلست على المقعد المجاور لياسين، ولاحظت كم هو غارق في شروده.
لم تستطع كتم فضولها، وسألته بلطف:
"صباح الخير... هل أنت بخير؟ يبدو عليك أنك تحمل الدنيا فوق كتفيك."
تفاجأ ياسين من جرأتها، لكنه لم يجد في قلبه إلا حاجة للكلام، فقال:
"صباح الخير... أنا فقط... مرهق من المحاولة، من الفشل، من الشعور أني غير كافٍ."
هزّت ليلى رأسها وقالت بابتسامة خفيفة:
"أتعلم؟ كنت أعمل مدرسة لسنوات، وفي لحظة واحدة فقدت عملي بعد إصابتي بمرض. شعرت أن كل ما بنيته سقط. لكن، بدأت أخيط الأمل من جديد، حتى من الخسارة."
نظر إليها بدهشة، وكأن كلمتها ضربت وتراً بداخله.
أخرجت من حقيبتها دفترًا صغيرًا، وقدّمت له ورقة كتبت فيها:
"هذا رقم ابني، يعمل في مؤسسة تدريبية، ويساعد الخريجين الجدد. اتصل به واذكر اسمي فقط."
تردد ياسين، وقال:
"لماذا تساعدينني؟ لا تعرفينني حتى."
ردّت ليلى بهدوء:
"لأنني أعرف ما يعنيه أن تمشي في طريق مظلم وحدك. وجبر الخواطر... أحيانًا هو ما يبقينا نحن البشر على قيد الإنسانية."
في تلك اللحظة، شعر ياسين أن قلبه، الذي كان على وشك الانكسار، تلقى دفئًا غير متوقّع.
نزل من الحافلة في المحطة التالية بابتسامة خفيفة، ولأول مرة منذ أيام، شعر أن الحياة يمكن أن تضيء مجددًا — فقط لأن قلبًا واحدًا، في وقتٍ غير متوقّع، جبر قلبه بصمت وصدق.
ومنذ ذلك اليوم، تعلّم ياسين أن يكون هو أيضًا سببًا في أن تُشرق حياة أحدهم. هكذا فقط... حين يُجبر القلب قلبًا آخر.