
كوب قهوة والنافذه
امرأة عند النافذة تبحث عن ذاتها؟؟
كانت الغرفة ساكنة إلا من خيوط الضوء التي تسللت بخجل عبر زجاج النافذة. وقفت "ليلى" تحمل كوب قهوتها الدافئ، كأنها تحاول أن تجمع بين دفء الشراب وبرودة الذكريات التي تزاحمت فجأة في ذهنها. لم يكن صباحًا عاديًا، بل صباحًا مشبعًا بالتساؤلات، محمّلًا بالحنين، مثقلًا بأحلام مؤجلة..

في الخارج، كانت المدينة تستيقظ ببطء. أصوات الباعة المتجولين تختلط بزقزقة العصافير، ورائحة الخبز الطازج تتسرب من المخبز المجاور. أما في الداخل، فكل شيء بدا ساكنًا عدا قلبها الذي لم يعرف يومًا معنى السكون.،،،
أمسكت الكوب بكلتا يديها، كأنها تستند إليه لتستعيد توازنها. كانت تعلم أن هذه الدقائق القليلة أمام النافذة هي لحظتها الخاصة، لحظة مواجهة صامتة مع ذاتها. تساءلت: هل تغيّرت كثيرًا؟ هل ما زالت تلك الفتاة التي كانت تكتب أحلامها على أوراق صغيرة وتخبئها تحت الوسادة؟ أم أنها صارت مجرد ظل يمشي بين الناس دون أن يترك أثرًا؟
عادت بذاكرتها إلى أيام الجامعة، حين كان كل شيء يبدو ممكنًا، والسماء مفتوحة على احتمالات لا نهائية. كانت تؤمن أن المستقبل سيحمل لها ما تستحقه من نجاح وحب وطمأنينة. لكنها الآن، بعد مرور السنوات، تشعر أن الزمن كان أكرم في وعوده مما كان في عطاياه.
ارتشفت رشفة صغيرة من قهوتها، فغمرها دفء داخلي أعاد إليها شيئًا من الطمأنينة. ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تفكر: ربما لم يفشل كل شيء. ربما لا تزال هناك فسحة للتغيير، طالما أن القلب ما زال ينبض بالأمل، والعين ما زالت قادرة على أن تلمح جمالًا في أبسط الأشياء.
نظرت إلى انعكاس وجهها على زجاج النافذة، فرأت امرأة ناضجة تحمل بين ملامحها بقايا طفلة حالمة. اقتربت أكثر من الزجاج، وكأنها تبحث في أعماق الصورة عن إجابة لسؤالها الدائم: "من أنا الآن؟"
وفي تلك اللحظة، أدركت أن الإجابة ليست مهمة بقدر ما هو مهم أن تواصل البحث، أن تبقى صادقة مع نفسها، وألا تسمح لثقل الأيام أن يسرق منها بريقها.
وضعت الكوب جانبًا، وأخذت نفسًا عميقًا كأنها تتهيأ لبداية جديدة. ربما لن يكون الطريق مفروشًا بالورود، وربما ستحمل الأيام القادمة صعوبات لا تتوقعها، لكن شيئًا ما بداخلها همس لها: "ما زال أمامك وقت… وما زال هناك أمل."..
هكذا، عند نافذة صغيرة وكوب قهوة بسيط، بدأت ليلى تدرك أن الحياة ليست سلسلة من الهزائم كما كانت تظن، وليست أيضًا وعودًا براقة كما حلمت في صباها. إنها مزيج بين الخيبات الصغيرة والانتصارات الخفية، بين الحزن والبهجة، بين الماضي الذي نحمله في صدورنا، والمستقبل الذي نخلقه بأيدينا.
قد لا تغيّر لحظة واحدة مسار العمر، لكنها قادرة على أن تغيّر نظرتنا إليه. وفي ذلك التغيير يكمن السر. لعلها لم تعد الفتاة ذاتها التي كانت تكتب أحلامها على أوراق صغيرة، لكنها الآن امرأة تعرف أن الأحلام لا تُكتب لتُخبأ، بل لتُعاش…
وبينما أنهت آخر رشفة من قهوتها، ابتسمت بصدق هذه المرة، وأدركت أن الصباح لم يكن عاديًا على الإطلاق… كان بداية قصة جديدة..