"ذوو الاحتياجات الخاصة في مصر: صراع يومي مع الفقر والتعليم والعمل"

"ذوو الاحتياجات الخاصة في مصر: صراع يومي مع الفقر والتعليم والعمل"

0 reviews

التحديات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر: بين الواقع والفرص الضائعة

يُقدَّر عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر بالملايين، وهم ليسوا أقلية صغيرة كما يظن البعض، بل شريحة واسعة من المجتمع. ومع ذلك، فإنهم يواجهون تحديات كبيرة تجعل حياتهم اليومية أكثر صعوبة، بدءًا من التعليم والعمل، مرورًا بالصحة والبنية التحتية، وصولًا إلى النظرة الاجتماعية السائدة. ورغم الجهود الحكومية والتشريعات القانونية مثل "قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، إلا أن الفجوة ما زالت قائمة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي على أرض الواقع.

الفقر والأمان الاقتصادي

تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من ذوي الإعاقة في مصر يعيشون في فقر مدقع. حوالي 18% من أفقر 20% من المصريين من ذوي الاحتياجات الخاصة. وغالبًا ما يعتمدون على أسرهم أو على برامج دعم مثل "تكافل وكرامة"، لكن هذه المساعدات لا تكفي لتغطية احتياجاتهم من تعليم أو علاج أو حياة كريمة. الفقر هنا ليس مجرد غياب المال، بل هو حلقة مفرغة تُنتج مزيدًا من التهميش والعزلة.

التعليم: باب مغلق من البداية

التعليم يمثل تحديًا هائلًا؛ فالأطفال ذوي الإعاقة يعانون من ارتفاع نسب الأمية التي تتجاوز 60%. الأسباب متعددة: قلة المدارس المجهزة، غياب المناهج المكيفة، وعدم وجود كوادر مدربة للتعامل مع ذوي الاحتياجات. وحتى الذين يتمكنون من الالتحاق بالجامعات، يواجهون صعوبات في المواصلات، ضعف البنية التحتية، وغياب الدعم الأكاديمي والنفسي. النتيجة أن كثيرًا منهم يُحرم من أبسط حقوقه في التعلم، ما يقلل فرصه في الحصول على عمل لاحقًا.

البنية التحتية غير مهيأة

المدن المصرية ليست صديقة لذوي الاحتياجات الخاصة. الأرصفة المرتفعة، غياب المنحدرات، ضعف تجهيزات المواصلات العامة، والمباني الحكومية التي تفتقر إلى المصاعد أو الممرات المناسبة، كلها عوائق تجعل من التنقل مهمة شبه مستحيلة. حتى القوانين التي تُلزم بتجهيز الأماكن العامة نادرًا ما تُنفذ بشكل كامل.

التوظيف: قانون بلا تطبيق

القانون المصري ينص على تخصيص 5% من الوظائف لذوي الإعاقة. لكن على أرض الواقع، يُعتبر هذا مجرد حبر على ورق. بعض المؤسسات تتحايل على القانون من خلال تعيين صوري برواتب رمزية، دون دمج حقيقي أو استثمار في مهاراتهم. في المقابل، هناك قصص نجاح فردية استطاعت أن تقتحم سوق العمل، لكنها تظل الاستثناء لا القاعدة.

الوصمة الاجتماعية والعنف

إلى جانب التحديات المادية، يواجه ذوو الإعاقة تحديات اجتماعية ونفسية لا تقل خطورة. فالمجتمع ما زال ينظر إليهم بنظرة "شفقة" أو "عجز"، وأحيانًا يتم التعامل معهم كعبء على الأسرة. كثير من الأسر تخفي أبناءها خوفًا من التنمر أو الوصمة، ما يزيد من عزلتهم. النساء من ذوي الإعاقة يواجهن خطرًا مضاعفًا من العنف الجسدي أو الاستغلال، وغالبًا ما يُنظر إليهن على أنهن غير قادرات على الزواج أو تكوين أسرة.

الصحة والتأهيل

الخدمات الصحية لذوي الاحتياجات الخاصة تعاني من قصور شديد. فالتأهيل الطبي والعلاج الطبيعي غير متاح للجميع، إما بسبب التكلفة العالية أو نقص المراكز المتخصصة. حتى عندما تتوفر الخدمة، فإن جودتها في كثير من الأحيان ضعيفة ولا تواكب الاحتياجات الفعلية.

خاتمة

ذوو الاحتياجات الخاصة في مصر لا يحتاجون إلى شفقة، بل إلى فرص عادلة. إصلاح البنية التحتية، تطوير التعليم، توفير فرص عمل حقيقية، وتغيير نظرة المجتمع، كلها خطوات ضرورية لبناء مجتمع متكامل. القضية ليست قضية "فئة مهمشة" فقط، بل قضية مجتمع كامل يفقد جزءًا من قوته وإبداعه عندما يترك ملايين من أفراده خارج دائرة الاهتمام.

إن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل هو واجب المجتمع بأكمله. فكل خطوة صغيرة—سواء بتغيير نظرة، أو توفير فرصة عمل، أو دعم تعليمي—تُحدث فرقًا كبيرًا في حياة إنسان.

 

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

7

followings

4

followings

2

similar articles