
تيجي احكيلك قصة ريا وسكينة الحقيقه
ريا وسكينة: حكاية الجريمة التي أرعبت مصر
تاريخ مصر الحديث مليء بالقصص الغريبة والعجيبة، لكن من بينها قصة بقيت عالقة في ذاكرة الناس حتى يومنا هذا: قصة ريا وسكينة. هذه القصة لم تعد مجرد حكاية جريمة عادية، بل أصبحت رمزًا شعبيًا، يُحكى عنها في المقاهي، ويُعاد تمثيلها في المسرحيات والأفلام، حتى صارت جزءًا من الثقافة العامة. في هذه المقالة، سنحكي القصة بالتفصيل، منذ البداية وحتى النهاية، لنفهم لماذا بقيت هذه الحكاية حاضرة بقوة لأكثر من مئة عام.

البداية: الفقر والحرمان
وُلدت ريا وسكينة في أسرة فقيرة جدًا، في بيئة صعبة لم ترحم أحدًا. كان الفقر يطارد كل تفاصيل حياتهما، من الطعام القليل، إلى الملابس المهترئة، إلى الظروف الاجتماعية التي لم تمنحهما فرصة لحياة كريمة. انتقلت العائلة بين الصعيد والقاهرة، ثم استقرت في النهاية بالإسكندرية، حيث كان الحي الشعبي في منطقة اللبان مزدحمًا بالغرباء والعمال الذين وفدوا بعد الحرب العالمية الأولى وثورة 1919.
في هذا الجو المشحون بالفوضى، وغياب الأمن في بعض الأوقات، بدأت الأختان تفكران في طرق مختلفة للعيش. لكن للأسف، لم يكن الطريق مشروعًا أو شريفًا، بل كان مليئًا بالمخاطر والدماء.
من الجوع إلى الجريمة
في البداية، كانت ريا وسكينة تسعيان لكسب المال بأي وسيلة، سواء من خلال العلاقات المشبوهة أو أعمال صغيرة لا تكفي لسد رمق الجوع. ومع الوقت، ومع وجود أزواجهن الذين لم يكونوا أكثر استقامة منهن، بدأت فكرة تكوين عصابة تتبلور.
العصابة ضمت الأختين، وأزواجهما: حسب الله، وعبد العال، ومعهما رجلان آخران هما عرابي وحسب النبي. هؤلاء جميعًا اتفقوا على أسلوب إجرامي واحد: استهداف النساء اللواتي يملكن الحلي الذهبية أو بعض المال.
كانت الخطة محكمة وبسيطة في الوقت نفسه:
يتم استدراج الضحية إلى بيت ريا وسكينة.
تُجلس المرأة وسط حديث ومرح وهمي، غالبًا مع مشروب مسكر.
فجأة، يقوم الرجال بخنقها بواسطة منديل أو قطعة قماش.
تُسرق مجوهراتها وأموالها.
تُدفن الجثة في نفس البيت، تحت الأرض أو في إحدى الغرف.
هذه الطريقة تكررت مرارًا، حتى وصل عدد الضحايا إلى ما يقارب 17 امرأة.

المجتمع في حالة صدمة
في ذلك الزمن، لم يكن من السهل على الناس أن يصدقوا أن امرأتين يمكن أن تكونا وراء هذه الجرائم الشنيعة. النساء كنّ دائمًا يُنظر إليهن على أنهن الطرف الأضعف، بعيدات عن العنف والإجرام. لكن ريا وسكينة كسرتا هذه الصورة تمامًا، وأثبتتا أن الجريمة لا تفرق بين رجل وامرأة إذا اجتمع الطمع والفقر والظروف المظلمة.
انتشرت شائعات في الأحياء الشعبية عن نساء اختفين فجأة دون أثر. البعض قال إن السبب تجارة الرقيق الأبيض، والبعض الآخر ألقى اللوم على الغرباء بعد الثورة. لكن الحقيقة كانت مدفونة تحت بيوت تبدو عادية في حي اللبان بالإسكندرية.


لحظة اكتشاف الحقيقة
انكشف سر العصابة بالصدفة البحتة. أثناء مرور أحد السكان لاحظ رائحة غريبة تنبعث من أحد البيوت، فأبلغ الشرطة. ومع بدء التحقيقات، عُثر على بقايا بشرية مدفونة في منزل ريا وسكينة. لم يكن هذا مجرد دليل عابر، بل كان بداية خيط unravel كشف كل شيء.
بدأت الشرطة تجمع الأدلة، وأثناء التحقيق انهار بعض أفراد العصابة واعترفوا بالتفاصيل. وهنا خرجت الحقيقة المرعبة: ريا وسكينة، بمساعدة أزواجهن ورجال آخرين، قتلوا عشرات النساء من أجل حفنة من المال والذهب.

المحاكمة التاريخية
عام 1921، شهدت مصر واحدة من أشهر المحاكمات في تاريخها. جلس المتهمون أمام القضاة والناس يملأهم الذهول. كيف يمكن لامرأتين أن تقودا عصابة بهذه الوحشية؟
المحاكمة لم تستغرق وقتًا طويلًا، فقد كانت الأدلة دامغة، والاعترافات واضحة. صدر الحكم بالإعدام على جميع أفراد العصابة، ومن بينهم ريا وسكينة. كان القرار صادمًا للمجتمع المصري، لأنه لأول مرة في التاريخ الحديث تُنفذ عقوبة الإعدام بحق سيدتين.
في يوم 21 ديسمبر 1921، نُفذ الحكم على ريا، وفي اليوم التالي على سكينة. احتشد الناس أمام السجن لمتابعة الحدث، وكانت لحظة تاريخية مليئة بالمشاعر المختلطة بين الارتياح والخوف والحزن.
إرث القصة في الثقافة الشعبية
لم تنتهِ القصة عند المشنقة. بل على العكس، بدأت حياة جديدة لاسم ريا وسكينة، لكن هذه المرة في ذاكرة الناس.
قُدمت قصتهما في المسرحيات والأفلام مثل فيلم "ريا وسكينة" وأشهر مسرحية كوميدية للفنانتين شادية وسهير البابلي.
ظهرت كتب تاريخية تناولت أبعاد القصة، منها كتاب "رجال ريا وسكينة" لصلاح عيسى، الذي ربط بين الجريمة والظروف الاجتماعية والسياسية.
في الوعي الشعبي، تحولت القصة إلى حكاية تُروى للأجيال الجديدة للتحذير من الانحراف والجريمة.
العبرة من القصة
قصة ريا وسكينة ليست مجرد تفاصيل دموية، بل تحمل رسائل ودروس عميقة.
الفقر: هو العامل الأساسي الذي دفع الأختين إلى هذا الطريق، فالحاجة قد تدفع الإنسان إلى ارتكاب ما لا يتصوره عقل.
غياب الوعي: الجهل وانعدام التعليم جعلا الطريق نحو الجريمة يبدو وكأنه الحل الوحيد.
العدالة: مهما طال الزمن، فإن الجرائم تنكشف، والعدالة تتحقق في النهاية.

خاتمة
بعد مرور أكثر من قرن على قصة ريا وسكينة، لا تزال الحكاية تُروى وكأنها حدثت بالأمس. هي قصة صراع بين الفقر والطمع والشر، وبين العدالة والقانون. ورغم قسوتها، فإنها تظل شاهدًا على أن الانحراف عن الطريق السليم لا يجلب سوى النهاية المأساوية.
فهل كانت ريا وسكينة مجرد مجرمتين دمويتين، أم ضحية مجتمع قاسٍ لم يمنحهما فرصة لحياة كريمة؟ هذا سؤال يبقى مطروحًا للنقاش حتى اليوم.