الوحدة بين مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة)

الوحدة بين مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة)

Rating 0 out of 5.
0 reviews

الوحدة بين مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة)

في منتصف القرن العشرين، كانت الأمة العربية تعيش على وقع حلم كبير اسمه الوحدة العربية. الحلم الذي سكن قلوب الملايين بعد عقود من الاستعمار والتجزئة، واشتعل في نفوسهم مع صعود قائد كاريزمي قادم من ضفاف النيل: جمال عبد الناصر.

كان ناصر قد خرج من رحم ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، وهو يحمل طموحًا لا يقل عن طموح صلاح الدين أو محمد علي. كان يؤمن أن العرب أمة واحدة، وأن قوتهم في وحدتهم. وفي الوقت نفسه، كانت سوريا تعيش أجواءً مضطربة. فقد تناوبت الانقلابات العسكرية على الحكم منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1946، وتصارعت القوى السياسية فيها: حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الشيوعي، والبرجوازية التجارية، فضلًا عن ضغوط خارجية متزايدة من الغرب وإسرائيل.

في تلك اللحظة التاريخية، بدأ تقارب استثنائي بين القاهرة ودمشق. شعر البعثيون والضباط السوريون أن الخطر يقترب: مؤامرات خارجية، ومحاولات لاختراق الداخل السوري عبر الشيوعيين. وكانوا يرون أن الوحدة مع مصر بزعامة عبد الناصر هي طوق النجاة.

الطريق إلى الوحدة

في أواخر عام 1957، بدأت الوفود السورية تتقاطر إلى القاهرة. جاء الضباط البعثيون وعلى رأسهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني يطلبون من عبد الناصر إعلان الوحدة الفورية. في البداية، كان ناصر مترددًا؛ فهو يعرف صعوبة دمج دولتين تختلفان في طبيعة الحكم والاقتصاد والمجتمع. لكنه في النهاية، وتحت ضغط الحماس الشعبي العربي المتصاعد، وافق.

وفي 22 فبراير 1958، أُعلن رسميًا قيام الجمهورية العربية المتحدة، دولة جديدة جمعت مصر وسوريا تحت علم واحد، وشعار واحد: "الوحدة، الحرية، الاشتراكية".
أصبحت القاهرة العاصمة، وانتُخب عبد الناصر رئيسًا للجمهورية، في استفتاء شعبي كاسح. كان المشهد عظيمًا: الجماهير في دمشق تهتف باسمه، والأغاني الوطنية تصدح، والشعور بأن العرب على أعتاب فجر جديد.

معالم الدولة الجديدة

مع قيام الوحدة، بدأت مرحلة جديدة.

في السياسة: حلّت الأحزاب السورية، ودمجت في تنظيم واحد هو "الاتحاد القومي".

في الاقتصاد: اتجهت الدولة نحو الاشتراكية، فطُبّقت قوانين الإصلاح الزراعي، وتأميم الشركات الكبرى.

في الجيش: تم دمج الجيشين المصري والسوري في قيادة مشتركة.

كان الهدف بناء دولة عربية حديثة قوية تواجه إسرائيل والغرب، وتحقق العدالة الاجتماعية.

التحديات تبدأ

لكن ما بدا حلمًا جميلاً، سرعان ما واجه عقبات صعبة.
في سوريا، شعر كثير من الضباط والسياسيين أن القرارات تتركز في القاهرة، وأن دورهم يتقلص. الحياة السياسية التي كانت مفتوحة نسبيًا في دمشق أُغلقت لصالح نظام مركزي صارم. أما الاقتصاد، فقد تأثر بالسياسات الاشتراكية المفاجئة، وبدأ التجار والبرجوازية في سوريا يتذمرون.

من جهة أخرى، كان هناك اختلاف واضح في طبيعة المجتمعين: مصر ذات كثافة سكانية عالية ونظام حكم مستقر، وسوريا ذات طابع عشائري وسياسي متنوع. هذا التباين خلق احتكاكات يومية.

القوى الخارجية

لم تقف القوى الكبرى مكتوفة الأيدي. الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا والأردن والسعودية، كلهم كانوا يرون في الوحدة تهديدًا لمصالحهم. عملوا على إضعافها من الداخل عبر دعم المعارضين وتمويل الإعلام المناوئ. إسرائيل من جانبها اعتبرت الوحدة خطرًا استراتيجيًا قد يغير موازين الصراع.

الشرخ الداخلي

بدأت العلاقة بين الضباط السوريين والقيادة المصرية تتوتر. كان عبد الحميد السراج، رجل الاستخبارات السوري القوي، رمزًا لهذه العلاقة المتوترة. ومع مرور الوقت، شعر الكثير من الضباط السوريين أنهم مجرد تابعين في دولة يحكمها ناصر من القاهرة.

الأزمة الاقتصادية زادت الطين بلة، خصوصًا مع انخفاض مستوى المعيشة في سوريا وازدياد سيطرة الدولة على التجارة.

 
لحظة الانفصال

وفي فجر 28 سبتمبر 1961، تحركت مجموعة من الضباط السوريين بقيادة عبد الكريم النحلاوي، وقاموا بانقلاب عسكري في دمشق. أعلنوا إنهاء الوحدة، وعودة الجمهورية العربية السورية كدولة مستقلة.

كان وقع الخبر صاعقًا على عبد الناصر. حاول أن يتدخل بالخطاب والنداءات للجماهير، لكنه لم يشأ أن يرسل الجيش ويحول الوحدة إلى حرب أهلية عربية. وبذلك انتهت تجربة الجمهورية العربية المتحدة بعد ثلاث سنوات فقط من ميلادها.

الأثر والذاكرة

رغم قصر عمرها، تركت الوحدة أثرًا عميقًا في الوجدان العربي. بالنسبة للمؤيدين، كانت أجمل محاولة واقعية لتحقيق الحلم القومي العربي، وتجسيدًا لفكرة أن العرب قادرون على التوحد ضد التحديات. أما بالنسبة للمعارضين، فقد كشفت التجربة عن صعوبة الدمج بين دول تختلف في بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

شخصيات بارزة مثل جمال عبد الناصر وميشيل عفلق وصلاح البيطار وعبد الحميد السراج، ظلوا عناوين لهذه المرحلة. وبينما واصل عبد الناصر مشواره حتى رحيله عام 1970، بقيت الوحدة مع سوريا ذكرى يتغنى بها البعض ويتحسر عليها آخرون.

الخاتمة

انتهت الجمهورية العربية المتحدة، لكن الفكرة لم تنته. بقيت رمزًا لحلم مؤجل، ولحظة نادرة اجتمع فيها العرب على كلمة واحدة. ورغم ما واجهته من تحديات وأخطاء، فإنها تظل شاهدًا على أن شعلة الوحدة العربية، وإن خبت أحيانًا، لا تزال حية في قلوب كثيرين.image about الوحدة بين مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة)

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

2

followings

0

followings

0

similar articles
-