قيس تزوّج ليلى: حين انقلبت الحكاية على نفسها

قيس تزوّج ليلى: حين انقلبت الحكاية على نفسها

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

قيس تزوّج ليلى: حين انقلبت الحكاية على نفسها

 

 

image about قيس تزوّج ليلى: حين انقلبت الحكاية على نفسها

 

 

 

 

لطالما نسجت المخيلة العربية أسطورة قيس وليلى على أنها ذروة الحب المستحيل، ومرثية أبدية للعاشق الذي لم يملك سوى أن يتفتّت في غياب معشوقته. لكن ماذا لو انقلبت الموازين، وحدث ما لم يكن متوقعًا: قيس تزوّج ليلى؟

في لحظة كهذه، تنهار الأساطير القديمة، إذ تكتشف أن ما كان يمنح الحكاية بريقها ليس الحب في ذاته، بل الحرمان الذي ظلّ يغذّيه. حين اجتمع العاشق والمعشوقة تحت سقف واحد، سقطت تلك المسافة التي كانت تصنع الشعر، وضاع ذاك الصدى الذي كان يتردّد في الصحراء. صار الحب مادة يومية باهتة، وصارت ليلى جسدًا عاديًا لا يختلف عن غيره، وصار قيس يرى بعينيه ما لم يكن يراه بقلبه.

إن الحرمان كان بطل الرواية منذ البداية، هو الذي رفع ليلى إلى مقام المعبودة، وهو الذي جعل قيس شاعرًا يمشي على حدّ الجنون. فما إن تحققت الأمنية، حتى تكشّفت الحقيقة: ليلى ليست كما تخيّلها، وليست تلك الكوكب الذي يستحق أن يُستنزف العمر في الدوران حوله. لقد كان قيس عاشقًا لوهم أكثر من كونه عاشقًا لامرأة، وحين اصطدم الوهم بالواقع، تلاشى السحر وبقي الرماد.

الحب ليس هو ما نظن، بل هو تلك الهوّة بين التمنّي والامتلاك، بين الرغبة والحرمان. وما كان يُسمّى "جنون قيس" لم يكن إلا نشوة الحرمان وقدسيته. وما إن مُنح له الجواب، حتى صمت السؤال، وذبل الشعر، وخبا اللهيب.

لقد تزوّج قيس ليلى، لكنه لم يظفر بها؛ لأنه لم يكن يبحث عنها كما هي، بل كما صاغتها مخيلته. وحين التقت المخيلة بالواقع، انكسرت المرآة، وانكشفت الحقيقة الباردة: أن ليلى لم تكن تستحق كل هذا الضجيج، وأن البطل الحقيقي لم يكن الحب، بل الحرمان الذي وهب للحكاية خلودها.

لقد كان قيس يظن أن الحب خلاص، وأن الوصول إلى ليلى سيمنحه الطمأنينة التي حُرم منها طويلًا. غير أن اللقاء علّمه أن الحب ليس بابًا مفتوحًا على النعيم، بل مرآة تعكس هشاشتنا حين نواجه الآخر كما هو، لا كما أردناه أن يكون. فما كان يظنه ملاذًا صار امتحانًا قاسيًا، وما كان يراه جنةً تحوّل إلى أرضٍ عادية لا تُنبت الشعر ولا تبرّر الجنون.

هكذا، أدرك قيس أن القلب البشري يقدّس ما لا يملكه، ويرفع الغياب إلى مقام الأبدية، بينما يُسقط الحضور إلى هاوية المألوف. لقد صار الزواج خاتمة لم يكن يتمناها، لأن به انكشف سرّ الحكاية: أن الحب يعيش ما دام مؤجَّلًا، وأن الأسطورة تُكتب بمداد الحرمان لا بمداد اللقاء.

 يكتشف قيس أخيرا  أن الوهم كان أجمل من الحقيقة، وأن الحرمان هو ما صنع الأسطورة لا الحب. فبلقاء ليلى تسقط قدسيتها، ويغدو الامتلاك نهاية العشق لا اكتماله، لتظهر الحقيقة القاسية: أن الحرمان هو سرّ الخلود.

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-