
فُرفور العصفور الذي لم يُرِد أن يُغني
فُرفور العصفور الذي لم يُرِد أن يُغني
في غابةٍ بعيدة، حيث الأشجار عالية كالأبراج، والعصافير تملأ السماء زقزقة وألحانًا، وُلد عصفور صغير اسمه فُرفور. كان لعينيه بريق يشبه قطرات الندى، وريشه ناعم بلون الشمس عند الغروب.
منذ أن بدأ العصافير الصغار بتعلم الطيران والغناء، كان الجميع يترقب أول أغنية من فُرفور، إذ كان والده من أعذب الأصوات في الغابة، ووالدته تُدرّس الغناء لصغار الطيور. الكل توقع أن يرث فُرفور الموهبة، لكن المفاجأة كانت أن فُرفور لم يُغنِّ أبدًا.
كل صباح، كان يجلس على غصن الشجرة الكبيرة، يراقب الشمس وهي تصعد في السماء، ويسمع أصدقاءه وهم يملؤون الغابة ألحانًا. أما هو، فكان يبقى صامتًا، لا يصدر منه سوى تنهيدة خفيفة لا يسمعها أحد.
اقترب منه والده ذات صباح وقال:
"يا فُرفور، لقد كبرت، وآن لك أن تُشاركنا الغناء. جرب أن تُغني لنسيم الصباح!"
هزّ فُرفور رأسه وقال بخجل:
"أخاف أن لا يعجبهم صوتي، أو أن يُضحكوا عليّ إن أخطأت في اللحن."
ابتسمت والدته وقالت:
"كلنا أخطأنا في البداية، يا صغيري. الصوت الجميل لا يُقاس بالكمال، بل بالشعور."
ورغم كلماتهم الدافئة، بقي فُرفور صامتًا، يخاف من نظرات الآخرين، ومن صوت قد لا يكون كما يتوقعونه.
مرّت الأيام، وفُرفور يحاول أن يُخفي صوته عن الجميع. وعندما كان يغني لنفسه بهدوء، يتوقف بسرعة إن شعر أن أحدًا قريب. أصبح يبتعد عن تجمعات الطيور، ويقضي وقته وحيدًا بين الأغصان العالية.
وذات مساء، تغير كل شيء...
اجتاحت الغابة عاصفة مفاجئة، سقطت معها الأمطار، واهتزت الأشجار بقوة. ركضت الحيوانات إلى جحورها، وتجمعت الطيور في أعشاشها تحتمي من الرياح.
وبين أصوات الرعد والرياح، سمع فُرفور صوت بكاء ضعيف قادم من بين الأعشاب. طار سريعًا ليتفقد الأمر، فوجد سنجابًا صغيرًا يرتجف من الخوف، وقد ضلّ طريقه.
قال السنجاب بصوت متقطع:
"أين أمي؟ لقد فقدتها... والظلام يخيفني!"
نظر فُرفور حوله، فلم يرَ أحدًا. لا والده، ولا والدته، ولا أي طائر يمكنه المساعدة. شعر بالخوف، لكنه تذكر شيئًا...
ذلك الشعور الدافئ الذي تمنحه الأغاني حين يكون القلب خائفًا.
تنفس فُرفور بعمق، وبدأ يُغني...
بصوتٍ خافت في البداية، ثم أقوى، بدأ يُغني لطمأنة السنجاب، ولتهدئة قلبه المرتجف. كانت نغماته بسيطة، لكنها دافئة كأحضان الأمهات. سكت السنجاب شيئًا فشيئًا، وبدأ يبتسم. ثم انضمت طيور أخرى من الأعالي، بعدما سمعن صوت فُرفور، فكوّنوا معًا لحنًا عذبًا، غطّى أصوات العاصفة.
وبعد أن هدأت الأمطار، قادت الطيور السنجاب الصغير إلى عائلته، التي كانت تبحث عنه أيضًا.
في صباح اليوم التالي، استيقظت الغابة على صوت جديد... كان صوت فُرفور، يُغني بثقة وفرح. لم يعد يخاف من أن يُخطئ، فقد أدرك أن صوته له قيمة، مهما كان بسيطًا.
منذ ذلك اليوم، أصبح فُرفور يغني كل صباح، لا لأنه الأفضل، بل لأنه غنّى من قلبه... وهذا ما جعل صوته الأجمل.
العبرة:لا تنتظر أن تكون مثاليًّا لتُشارك ما لديك فكل صوت يحمل نغمة مختلفة، وربما تكون نغمتك هي ما يحتاجه قلبٌ خائف أو صديقٌ تائه.
.