السجادة الطيبة و الكرسي
السجادة الطيبة
لاحظ الكرسيُ الجميل أن صديقته السجادة الناعمة ذات الألوان الزاهية
على غير العادة ..
فهي حزينة و مهمومة ويبدو أن هناك أمراً ما يشغلها
انتابه القلق فسألها، كيف حالكِ يا صديقتي العزيزة ؟ يبدو أنها لم تسمعني!
سجادتي.. أنا صديقك.. أنا أكلمكِ، أين أنت؟
ماذا ..أنا.. أنا هنا يا صديقي الكرسي الجميل
أعذرني فهناك أمر يؤرقني و يشغل بالي
خيراً يا صديقتي العزيزة...هل حدث لكِ مكروه لا قدر الله؟
لا...لكني أخشى أن يحدث!
استدار ناحيتها و كله شغف وإنصات.. لقد قلقت عليكِ
أرجوكِ أخبريني بسرعة مما تخافين؟
أما سمعت يا صديقي الكرسي عن الحفلة التي ستقام فى منزلنا يوم الخميس القادم...
نعم سمعتُ بها، وأنا سعيد و مسرور لذلك
فأنا أحب حفلات عيد الميلاد، حيث يفرح الأطفال ويغنون ويبتهجون
وعيد ميلاد ( ندى ) سيكون فرصة للابتهاج والسرور
أعتقد أنه سيكون يوم سعيد حقاً... كم أنا مشتاق لهذا اليوم
رمقته السجادة بنظرات الدهشة والغيظ
نعم يا صديقي بالنسبة لك سيكون سعيداً...أما أنا فالويل لي!
و بصوت خافت يغلب عليه الحزن سألته، هل تعلم كم عدد المدعوين؟
لا شك أن عددهم كبير وأغلبهم سيكونون من الأطفال.
هذا شيء طبيعي في الحفلات يا صديقتي
وماذا في ذلك؟
أخبريني ما الضرر في ذلك وما سبب انزعاجك؟
ليس انزعاج، بل ألم يا صديقي.. ألم آه ، آه!
ألم! عن أي ألم تتحدثين يا صديقتي السجادة الطيبة؟ هل أنتِ مريضة ؟
لا لست مريضة، ولكنك لا تفهمني..
إذاً أفهميني، فأنا أريد أن أفهم
هل أنت متخيل كم عدد الأقدام التي ستدوس عليّ يوم الحفلة؟
إنهم سيقفون على رأسي وتغوص أقدامهم فى جسدي
آه يا صديقي آه
ألا تعرف سلوك الأطفال؟ أنا خائفة،
إنهم سيلعبون.. ويقفزون ..و سيسكبون علي شعري الملون العصائر..
وسيلقون على ظهري بقايا الطعام والتورتة والشوكولاتة ..و.. و
ضحك الكرسي من كلام صديقته السجادة
وقال لها كفى.. يا عزيزتي السجادة الطيبة.. كفى
ظنّت أنه يسخر منها ..عضت على شفتيها و أشاحت بوجهها
ألا يعجبك كلامي؟ ألا يؤثر فيك انزعاجي؟
لقد كنت أتوقع أن يكون رد فعلك غير ذلك يا صديقي، لقد توقعت أن تشاركني خوفي وانزعاجي، أأنت صديقي أنت؟!
أرجوكِ لا تشكي فى صداقتي أيتها السجادة الجميلة
بالعكس أنا مقدّر انزعاجكِ بل و مشفق عليكِ جداَ
فنحن أصدقاء منذ زمن بعيد. نحن هنا منذ أن تأسس ذلك البيت
كم مرت بنا من ذكريات و أحداث منها المفرح ومنها المحزن
لقد تحمّلنا معاً كل ذلك بصبر و حب يا صديقتي
لكن أيها الكرسي العزيز أعذرني فقد كبرت سني، وتساقط شعر رأسي،
ونحل وبري وأصبحت لا أتحمل دوس الأقدام الكثيرة ..
فأنتَ مهما زاد العدد فلن تتحمل إلا فرداً واحداً يجلس عليك ولن تسع غيره..
أرجوك قدر مشاعري
ابتسم الكرسي ابتسامة رقيقة.. صدقيني يا عزيزتي أنا أشاطركِ شعورك
لكن يا عزيزتي لو تسمحي لي سأعرض عليك وجهة نظري تجاه هذا الأمر
والتي قد تختلف عن وجهة نظرك
تنهدت السجادة الطيبة وقالت للكرسي تفضل يا صديقي فأن أسمعك
ما رأيك لو حولنا الشعور بالحزن والألم الذي ينتابك إلى شعور بالفرح و المرح
مرح ..فرح ..إذن أنت تمزح!
أعطيني فرصة أرجوكِ
لماذا لا نجعل من هذه الحفلة فرصة لنقضي لحظات من السعادة و السرور؟
ماذا لو استمتعنا مع الأولاد ولهونا معهم و شاركناهم فرحتهم؟
على مضض قبلت الفكرة وارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة وأخذت تتمتم إذاً سأحاول.
جاء يوم الخميس ...فازدان البيت بالأنوار المتلألئة.. و البالونات الملونة.. والزينة المتدلية
ودقت الساعة السابعة وبدأ يدق جرس الباب تباعاً
وبدأ الحضور يتوافدون
السلام عليكم
آباء و أمهات
أطفال صغار فى عمر الزهور الكل ترتسم على وجهه البسمة
وتشع منهم روح البهجة والسرور
وبدت ( ندى ) فى فستانها المزركش الجميل وشعرها المنساب كالحرير تتدلى منه خصلة تداعب جبهتها فتحولها بيديها بين الحين والحين..
بدت كالنسمة الرقيقة أو كالعبير يفوح شذاً فى كل مكان
كل عام وأنتِ بخير يا ( ندى)
عيد ميلاد سعيد يا حبيبتي
عيد ميلاد سعيد يا صديقتي
الكل يهنئ ويقدم الهدايا
ازداد العدد فوق السجادة الطيبة
أقدام كثيرة تدوسها تغوص فيها ..
تألمت سمع الكرسي أنينها المكتوم
نظر إليها ..تذكرت كلامه
بادرها بالحديث ما شاء الله ..يا لحظك السعيد أيتها السجادة الطيبة انظري
لهؤلاء الأطفال الواقفين عليك إنهم فى غاية الجمال والنظافة
انظري إلى صغر أقدامهم وخفة أوزانهم وإلى قدر سعادتهم وهم يلعبون علي ظهرك
قالت: بالفعل يا صديقي إن فرحتهم وبهجتهم غلبت ألمي وأنستني حزني
وها أنا ذا أحاول أن أكون لينة وناعمة تحت أقدامهم حتى لا أزعجهم
سأحول أن أكون مصدر بهجة وسعادة لهم
بدأ الأطفال فى الغناء والمرح احتفالاً بصديقتهم
وإذا بكل عضو فى البيت يشارك الأطفال فرحتهم وبهجتهم
كل الكراسي والسفرة والتليفزيون و الدولاب.. حتى المصابيح فى النجف بدأت تتراقص وتتمايل طرباً
الكتب على الرفوف قفزت فرحاً وسروراً
انطفأ الضوء للحظات إلا من ضوء الشموع..
استعد الأطفال وملئوا أفواههم بالهواء استعداداً لإطلاقه دفعة واحدة
تجاه الشموع المتلألئة والتي يتراقص ضوئها يشاركهم الفرحة
الآن هيا يا أطفال صوّبوا أفواهكم نحو الشموع واحد، اثنان، ثلاثة، ها...ها
انطفأت الشموع وعادت الأضواء، و بدأ توزيع التورتة والعصائر على الضيوف
للحظة انقبضت السجادة الطيبة خوفاً من تساقط بقايا الطعام والعصائر فوقها
لكنها عادت وقالت لا بأس لن أفسد فرحتي بالتفكير فى هذا الأمر
إنه يوم رائع حقاً
انتهي الحفل وهمّ الضيوف بالانصراف
قامت سيدة المنزل بنظافته و إعادة ترتيبه
بالطبع لم تنس السجادة الطيبة... أحضرت المكنسة الكهربائية وأدارتها
سمعت السجادة صوت المكنسة وهي تقترب منها ففرحت
وتذكرت القشعريرة التي كانت تنتابها ومشط المكنسة يسبح فوق شعرها
كأنه يزغزغها..
حتي ذرات التراب وبقايا الطعام التي تخللت شعرها شفطتها المكنسة
شعور جميل وإحساس رائع
كان صديقها الكرسي يتبع كل ذلك في صمت لم يشأ أن يقطع فرحتها
ثم همست سيدة البيت قائلة لها:
إن شاء الله سوف أقوم بغسلك وتنظيفك يا سجادتي الطيبة
و سوف أعرّضك لأشعة الشمس أيضاً مكافأة لك على تحملك المشقة والتعب
وسوف أرش عليك المعطر الجميل
فرحت السجادة الطيبة جداً جداً
لم يتمالك الكرسي نفسه ...ضحك بصوت عال، وقال للسجادة الطيبة:
ألم أقل لك يا صديقتي ما أجمل أن نحوّل الآلام إلى آمال
ولحظات المشقة والتعب إلى لحظات من الاستمتاع
ما أجمل أن نشارك الآخرين بهجتهم وفرحتهم حتى لو تحمّلنا بعض المشقة
فالله تعالى يجازي بالإحسان إحسانا...
