“ ليلةٌ بارِدةٌ و مِرسالي الصّامِت ”

“ ليلةٌ بارِدةٌ و مِرسالي الصّامِت ”

Rating 5 out of 5.
1 reviews

 

image about “ ليلةٌ بارِدةٌ و مِرسالي الصّامِت ”

“ لَكِنّها المسافاتُ يا سادة ”

ذاتَ مَرّةٍ سألتُ صَديقَتي عَبرَ الهاتِف : لِماذا أراكِ تَكتُمينَ عَنّي ما يُؤلِمُك ، وَ أنا لَم أعتَد مِنكِ الكِتمانَ يَومَاً ؟!فَأجابَت باقتِضاب : لاأرغَبُ في التّحدُّث ، اتركيني الآن .سَكتُّ قليلاً ثُمّ سألتُها بعدَ تَرَدُّد : لَو كُنتُ أمامَكِ الآن ، و عانَقتُكِ عِناقاً طَويلاً ؛ هَل كُنتِ لِتَبتَعدي عَنّي ، و تَرفُضي التّحدُّثَ كما الآن ؟فَأجابَت بالنّفي .فَسَألتُها بصوتٍ مُتَألّمٍ : إذن لماذا تَرفُضينَ التّحَدُّثَ الآن ، بَينما أنا عاجِزةٌ عنِ الوصولِ إليكِ ؟فَكانَ رَدُّها صَمتاً طويلاً ، كانَ ذلكَ الصَّمتُ بِمثابَةِ صفعةٍ تُذَكِّرُني بالحَقيقةِ الّتي لا طالما حاولت الهروبَ مِنها ، حَقيقَةُ أنّي عاجِزَةٌ عَن لِقاءِ صَديقَتي الوَحيدَة .

“ضيفتي المميزة ”

مِن أحب الفُصولِ إلى قلبي ؛ فَصلُ الخريف ، أنتَظِرُهُ بِفارِغِ الصَّبر ، فَلَيالِيه البارِدَةُ تَعني ليَ الكَثير !في كُلِّ لَيلَة ، وَ بعدَ مُنتَصَفِ اللَّيل ، أنتَظِرُ ضَيفَتي المُمَيَّزَة ، آه ؛ ها هي قَد أتت ، تِلكَ الرِّياحُ غَيرُ صَبورَةٍ أبداً ! ، تَطرُقُ نافِذَتي كُلَّ لَيلة ، أحياناً بِلُطفٍ وَ خِفّة ، وَ أحياناً أخرى أشعُرُ أنّها قد تُحَطِّمُ النّافِذَةَ فوقَ رأسي !

ها أنا ذي ، ألا يُمكِنُكِ الانتظار قليلاً ؟ وَلكِن لا بأس ، فأنتِ في النِّهايةِ رَفيقَتي في ليالي الخَريف ، وَ مِرسالي الصّامِت ، و لكن قبل أيّ شيء ، أخبريني ؛ أينَ كُنتِ اليَوم ؟ وَ إلى أيُّ بِلادٍ ذهبتِ ؟ كَم قَطَعتِ مِنَ المسافاتِ يا تُرى ؟

“ ماذا لو كنتُ رياحاً فَحَسب! ”

أغبِطُكِ حَقّاً ؛ فَأنتِ حُرَّةٌ طَليقة ، تَزورينَ أيّ مَكانٍ في أيّ زمانٍ ، ولا تحتاجينَ تَذكرةَ طَيرانٍ ،أحياناً أتمنّى لو أنّي كُنتُ رياحاً فَحَسب ، حينها ؛ كُنتُ لِأذهَبَ حيثُ رَفيقَتي وَ صَديقَتي الوَحيدَة ، وَ الّتي تَبعُدُ عَنّي بِلاداً ، كُنتُ لِأُسرِعَ إليها في الحال ، كُنتُ لِأُجاوِرها لِلأَبَد ، وَ أضحَك في وَجهِ المسافاتِ وَ أُخبِرها : الآنَ لَن تستَطيعي التَّفريقَ بَيننا مهما فَعَلتِ .

“ أخبريني رجاءً! ”

أَخبريني عَزيزَتي الرِّياح ، هَل زُرتِ صَديقَتي اليَومَ كما اتّفقنا ؟ هَل مَرَرتِ بِها في إحدى جَولاتِك ؟ تُرى ، هَل كانَت بِخَير ؟ أتأكُلُ جَيِّداً ؟ أنا أَعرِفُها تِلكَ الفتاة ، تَتَصَرّفُ بِلامُبالاة ولا تَهتَمُّ بِصِحَّتِها ، أكادُ أجزِمُ أنّها نَسَت أن تَأكُلَ مُنذُ اللَّيلةِ المَاضية ، هَل .. هَل كانَت حَزينَةً اليَوم ؟ أنا لا أشعُرُ أنّها على ما يُرامُ هذه الأيّام ، رُبّما أحزَنها أحَدُهُم ! إِذن عَزيزَتي الرِّياح ، بِما أنّي لا أستَطيعُ الوُصولَ لِذلك ال ( أحَدُهُم ) وَ أوسِعَهُ ضَرباً ، سَتَقومينَ بِذَلك مِن أجلي صَحيح ؟ ، أُريدُكِ أن تُعاقبيهِ لِأجلي حَتّى يَتوَقّف عَن إحزانِ صَغيرَتي مُجدّداً !

“سافري بصوتي إليها و أخبريها...”

و الآن يا مِرسالِيَ الصّامِت ، أريدكِ أن تَنقلي ما سأُخبِرُكِ به إلى صَديقَتي ، أريدُكِ أن تنقلي صَوتي لها ، أوَلَستِ تَنقلينَ صدى الصّوتِ إلى أبعَدِ مدًى مُمكِن ؟ظَنَنتُ أنّه رُبّما يَصِلها صوتي عَبركِ ، أنّه ربّما إن حاولتُ فقد يُسافِرُ صَوتي يَومَاً إليها ، أخبريها أنّي أفتقِدُها ، وَ أنّني في غيابها أشعُرُ بالوحدةِ بَينَ الجَميع ، أخبريها أنّي أبحَثُ عَن طَيفِها بَين وُجوهِ الجَميع ، عن أيّ أثرٍ لها هُنا أو هناك ، لكِنّها فَريدةٌ في هذا العالم ، أشباهُها الأربعون ورودٌ بَنَفسَجِيّة ، وَ فراشاتٌ رقيقَة ، وَ بُستانُ زُهور ، أخبريها أنّي أشعُرُ بالخواء يَعتمِرُ صَدري في غيابها ، و أنّني كُلّما رأيتُ صديقاتٍ يَسرنَ معاً و يتضاحَكن ، أفتقدها في تلكَ اللّحظَةِ أكثَر مِن أيّ شيء ، وَ أشعُرُ بِحاجةٍ مُلِحَّةٍ لِلعَودَةِ إلى غُرفتي و الانفراد بنفسي في انتظارِ لُقياها ، و أخبريها رجاءً ، أنّني كُلّ ليلةٍ وَ قَبل النّوم ، أتَخَيّلُ لِقاءنا الأول ، وَ أضَعُ الخطط له حتّى أغفو ، و أنّي أنتظر أول لِقاءٍ لنا ؛ كَي لا أُفلِتَ يَدها أبداً .

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

3

followings

203

similar articles
-